الحرث والنسل، ودامت بركات السماء والأرض.
وغير خفي أن أشرف وجوه العدالات وأهمها وأفضل صنوف السياسات وأعمها هو عدالة السلطان، إذ غيرها من العدالات مرتبطة بها ولولاه لم يتمكن أحد من رعاية العدالة، كيف وتهذيب الأخلاق وتدبير المنزل يتوقف على فراغ البال وانتظام الأحوال، ومع جور السلطان أمواج الفتن متلاطمة، وأفراج المحن متراكمة، وعوائق الزمان متزاحمة، وبوائق (17) الحدثان متصادمة، وطالبو الكمال كالحيارى في الصحارى لا يجدون إلى منازله سبيلا ولا إلى جداوله مرشدا ودليلا، وعرصات العلم والعمل دراسة الآثار، ومنازلهما مظلمة الأرجاء والأقطار، فلا يوجد ما هو الملاك في تحصيل السعادات، أعني تفرغ الخاطر والاطمئنان وانتظام أمر المعاش الضروري لأفراد الإنسان.
ولذا لو تصفحت في أمثال زماننا زوايا المدن والبلاد واطلعت على بواطن فرق العباد، لم تجد من الألوف واحدا تمكن من إصلاح نفسه ويكون يومه خيرا من أمسه، بل لا تجد دينا إلا وهو باك على فقد الإسلام وأهله، ولا طالبا إلا وهو لعدم المكنة باق على جهله، ولعمري أن هذا الزمان هو الزمان الذي أخبر عنه سيد الأنام وعترته الأبرار الكرام عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام من أنه: " لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه ".
وبالجملة: المناط كل المناط في تحصيل الكمالات وإخراج النفوس من الجهالات، هو عدالة السلطان، واعتناؤه بإعلاء الكلمة، وسعيه في ترويج أحكام الدين والملة، ولذا ورد في الآثار: (إن السلطان إذا كان عادلا كان شريكا في ثواب كل طاعة تصدر عن كل رعية، وإن كان جائرا كان سهيما في معاصيهم). وقال سيد الرسل صلى الله عليه وآله وسلم: " أقرب الناس يوم القيامة إلى الله تعالى الملك العادل وأبعدهم عنه الملك الظالم ".
وورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: " عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة ". والسر أن أثر عدل ساعة واحدة ربما يصل إلى جميع المدن والأمصار ويبقى على مر الدهور والأعصار، وقال بعض الأكابر: لو علمت أنه يستجيب