الصواعق من علائم الجنون دون الشجاعة، وإيقاع النفس في الهلكات بلا داع عقلي أو شرعي كتعرضه للسباع المؤذية، أو القاء نفسه من المواضع الشاهقة، أو في البحار والشطوط الغامرة من دون علم بالسباحة من أمارات القحة والحماقة.
ثم الشجاع الحقيقي من كان حذره من العار والفضيحة أكثر من خوفه من الموت والهلاك، فمن لا يبالي بذهاب شرفه، وفضيحة أهله وحرمه، فهو من أهل الجنون والحماقة، ولا يستحق اسم العقل والشجاعة، كيف والموت عند الشجاع مع بقاء الفضيلة أحسن من الحياة بدونها، ولذا يختار الموت الجميل على الحياة القبيحة. على أن الشجاعة في المبادئ ربما كانت مؤذية، وإنما تظهر لذتها في العاقبة (لا) سيما إذا حصلت بها الحماية عن الدين والملة، والذب عن العقائد الحقة، فإن الشجاع لحبه الجميل وثباته على الرأي الصحيح إذا علم أن عمره في معرض الزوال والدثور، وأثر الفعل الجميل يبقى على مر الدهور، يختار الجميل الباقي على الرذيل الفاني، فيحامي عن دينه وشريعته، ولا يبالي بما يحذر عنه غيره من أبناء طبيعته، لعلمه بأن الجبان المقصر في حماية الدين، ومقاومة جنود الشياطين إن بقي أياما معدودة، فمع تكدرها بالذل والصغار تكون زائلة، ولا ترضى نفسه بالحرمان عن السعادة الباقية، ولذا قال فخر الشجعان وسيد ولد عدنان عليه صلوات الله الملك الرحمان لأصحابه: " أيها الناس إنكم إن لم تقتلوا تموتوا والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف على الرأس أهون من ميتة على الفراش ".
وبالجملة: كل فعل يصدر عن الشجاع في أي وقت يكون مقتضى للعقل مناسبا لهذا الوقت واقعا في موقعه، وله قوة التحمل على المصائب، وملكة الصبر على الشدائد والنوائب، ولا يضطرب من شدائد الأمور، ويستخف بما يستعظمه الجمهور، وإذا غضب كان غضبه بمقتضى العقل، وكان انتقامه مقصورا على على ما يستحسن عقلا وشرعا، ولا يتعدى إلى ما لا ينبغي. وليس مطلق الانتقام مذموما، فربما كان في بعض المواضع مستحسنا عند العقل والشرع، وقد صرح الحكماء بأن عدم الانتقام ممن يستحقه يحدث في النفس