" ومنها " أن يقدم التروي على كل ما يفعله، لئلا تصدر عنه غفلة خلاف ما تقتضيه الفضيلة. ولو صدر عنه أحيانا خلاف مقتضاها، فليؤدب نفسه بارتكاب ما يضاده، ويشق عليها عقوبة، بعد تعييرها وتوبيخها، كما إذا أكل ما يضره من المطاعم فليؤدبها بالصوم، وإذا صدر عنه غضب مذموم في واقعة فليؤدبها بإيقاعها في مثلها مع الصبر عليها، أو في معرض إهانة السفهاء حتى يكسر جاهه أو يؤديها بارتكاب ما يشق عليها من النذر والصدقة وغير ذلك. وينبغي ألا يترك الجد والسعي في التحصيل والحفظ وإن بلغ الغاية، لأن التعطيل يؤدي إلى الكسالة وهي إلى انقطاع فيوضات عالم القدس، فتنسلخ الصورة الإنسانية وتحصل الهلاكة الأبدية، والسعي يوجب ازدياد تجرد النفس وصفائها والأنس بالحق والألف بالصدق (2)، فيتنفر عن الكذب والباطل، ويتصاعد في مدارج الكمالات ومراتب السعادات، حتى تنكشف له الأسرار الإلهية والغوامض الربانية، ويتشبه بالروحانيات القادسة، وينخرط في سلك الملائكة المقدسة. ويجب أن يكون سعيه في أمور الدنيا بقدر الضرورة، ويحرم على نفسه تحصيل الزائد، لأنه لا شقاوة أشد من صرف الجوهر الباقي النوراني في تحصيل الخزف الفاني الظلماني الذي يفوت عنه وينتقل إلى أعدائه من الوراث وغيرهم.
" ومنها " أن يحترز عما يهيج الشهوة والغضب رؤية وسماعا وتخيلا، ومن هيجهما كمن هيج كلبا عقورا أو فرسا شموسا، ثم يضطر إلى تدبير الخلاص عنه. وإذا تحركنا بالطبع فليقتصر في تسكينهما بما يسد الخلة ولا ينافي حفظ الصحة، وهو القدر الذي جوزه العقل والشريعة.
" ومنها " أن يستقصي في طلب خفايا عيوب نفسه، وإذا عثر على شئ منها اجتهد في إزالته. ولما كانت النفس عاشقة لصفاتها وأفعالها، فكثيرا ما يخفى عليها بعض عيوبها، فيلزم على كل طالب للصحة وحافظها أن يختار بعض أصدقائه ليتفحص عن عيوبه ويخبره بما اطلع عليه، وإذا أخبره بشئ منها فليفرح وليبادر إلى إزالته حتى يثق صديقه بقوله، ويعلم أن إهداء شئ من عيوبه إليه أحسن عنده من كل ما يحبه ويهواه، وربما كان العدو