جائر أصغر - وهو من لا يقوم عني حكم الدينار، فيأخذ لنفسه أكثر من حقه ويعطي غيره أقل من حقه - ويسمى سارقا وخائنا -.
ثم العدالة على أقسام ثلاثة:
" أحدها " ما يجري بين العباد وبين خالقهم سبحانه، فإنها لما كانت عبارة عن العمل بالمساواة على قدر الإمكان، والواجب سبحانه واهب الحياة والكمالات وما يحتاج إليه كل حي من الأرزاق والأقوات، وهيأ لنا في عالم آخر من البهجة والسرور ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، وما من يوم إلا ويصل إلينا من نعمه وعطاياه ما تكل الألسنة عن حصره وعده، فيجب أن يكون له تعالى علينا حق يقابل به تلك النعم التي لا تحصى كثرة حتى تحصل عدالة في الجملة، إذ من أعطي خيرا ولم يقابله بضرب من المقابلة فهو جائر.
ثم المقابلة والمكافأة تختلف باختلاف الأشخاص، فإن ما يؤدي به حق إحسان السلطان غير ما يؤدي به حق إحسان غيره، فإن مقابلة إحسانه إنما تكون بمثل بالدعاء ونشر المحاسن، ومقابلة إحسان غيره تكون بمثل بذل المال والسعي في قضاء حوائجه وغير ذلك. والواجب سبحانه غني عن معونتنا ومساعينا، ولا يحتاج إلى شئ من أعمالنا وأفعالنا، ولكن يجب علينا بالنظر إلى شرع العدالة حقوق تحصل بها مساواة في الجملة، كمعرفته ومحبته، وتحصيل العقائد الحقة والأخلاق الفاضلة، والاجتهاد في امتثال ما جاءت به رسله وسفراؤه من الصوم والصلاة، والسعي إلى المواقف الشريفة وغير ذلك وإن كان التوفيق لإدراك ذلك كله من جملة نعمائه، إلا أن العبد إذا أدى ما له فيه مدخلية واختيار من وظائف الطاعات، وترك ما تقتضي الضرورة بتمكنه على تركه من المعاصي والسيئات، لخرج عن الجور المطلق ولم يصدق عليه أنه جائر مطلق، وإن كان أصل تمكنه واختياره، بل أصل وجوده وحياته كلها من الله سبحانه.
" الثاني " ما يجري بين الناس بعضهم لبعض: من أداء الحقوق وتأدية الأمانات والنصفة في المعاملات والمعاوضات وتعظيم الأكابر والرؤساء وإغاثة المظلومين والضعفاء، فهذا القسم من العدالة يقتضي أن يرضى بحقه، ولا يظلم أحدا، ويقيم كل واحد من أبناء نوعه على حقه بقدر الإمكان، لئلا يجور