ولذا قال أفلاطون في صفة السبعية والبهيمية: " أما هذه أي السبعية فهي بمنزلة الذهب في اللين والانعطاف، وأما تلك أي البهيمية فهي بمنزلة الحديد في الكثافة والامتناع " وقال أيضا: " ما أصعب أن يصير الخائض في الشهوات فاضلا، فمن لا تطيعه الواهمية والشهوية في إيثار الوسط فليستعن بالقوة الغضبية المهيجة للغيرة، والحمية حتى يقهرهما " فلو لم يمتثلا مع الاستعانة فإن لم تحصل له ندامة بعد ارتكاب مقتضاهما دل على غلبتهما على العاقلة ومقهوريتها عنهما، وحينئذ لا يرجى صلاحه، وإلا فالإصلاح ممكن فليجتهد فيه ولا ييأس من روح الله، فإن سبل الخيرات مفتوحة، وأبواب الرحمة الإلهية غير مسدودة.
والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا (29).
والفائدة في القوة الوهمية إدراك المعاني الجزئية، واستنباط الحيل والدقائق التي يتوصل بها إلى المقاصد الصحيحة.
وبيان ذلك أن الواهمة والخيال والمتخيلة ثلاث قوى متباينة، ومباينة للقوى الثلاث الأول، وشأن الأولى إدراك المعاني الجزئية، وشأن الثانية إدراك الصور، وشأن الثالثة التركيب والتفصيل بينهما. وكل من مدركاتها إما مطابق للواقع، أو مخترع من عند أنفسها من غير تحقق له في نفس الأمر أيضا، وأما من مقتضيات العقل والشريعة، ومن الوسائل إلى المقاصد الصحيحة، أو من دواعي الشيطان وما يقتضيه الغضب والشهوة، وعلى الأول يكون وجودها خيرا وكمالا، وإن كان وجودها على الثاني شرا وفسادا. والحال في جميع القوى كذلك.
هذا وقيل: ما ورد في القرآن من النفس المطمئنة واللوامة والأمارة بالسوء، إشارة إلى القوى الثلاث أعني العاقلة والسبعية والبهيمية.
والحق أنها أوصاف ثلاثة للنفس بحسب اختلاف أحوالها، فإذا غلبت قوتها العاقلة على الثلاث الأخر، وصارت منقادة لها مقهورة منها، وزال اضطرابها الحاصل من مدافعتها سميت " مطمئنة "، لسكونها حينئذ تحت الأوامر والنواهي، وميلها إلى ملائماتها التي تقتضي جبلتها، وإذا لم تتم