غلبتها وكان بينها تنازع وتدافع، وكلما صارت مغلوبة عنها بارتكاب المعاصي حصلت للنفس لوم وندامة سميت " لوامة ". وإذا صارت مغلوبة منها مذعنة لها من دون دفاع سميت " أمارة بالسوء " لأنه لما اضمحلت قوتها العاقلة وأذعنت للقوى الشيطانية من دون مدافعة، فكأنما هي الآمرة بالسوء.
ثم مثل اجتماع هذه القوى في الإنسان كمثل اجتماع ملك، أو حكيم وكلب وخنزير وشيطان في مربط واحد. وكان بينها منازعة، وأيها صار غالبا كان الحكم له، ولم يظهر من الأفعال والصفات إلا ما تقتضيه جبلته، فكان إهاب الإنسان وعاء اجتمع فيه هذه الأربع، فالملك أو الحكيم هو القوة العاقلة، والكلب هو القوة الغضبية، فإن الكلب ليس كلبا ومذموما للونه وصورته بل لروح معنى الكلبية والسبعية أعني الضراوة والتكلب على الناس بالعقر والجرح. والقوة الغضبية موجبة لذلك، فمن غلب فيه هذه القوة هو الكلب حقيقة، وإن أطلق عليه اسم الإنسان مجازا. والخنزير هو القوة الشهوية، والشيطان هو القوة الوهمية، والتقريب فيها كما ذكر، والنفس لا تزال محل تنازع هذه القوى وتدافعها إلى أن يغلب إحداها، فالغضبية تدعوه إلى الظلم والإيذاء، والبغضاء، والبهيمية تدعوه إلى المنكر والفواحش، والحرص على المآكل والمناكح، والشيطانية تهيج غضب السبعية وشهوة البهيمية، وتزيد (30) فعلهما. وتغري إحداهما بالأخرى، والعقل شأنه أن يدفع غيظ السبعية بتسليط الشهوية عليها، ويكسر سورة الشهوية بتسليط السبعية عليها، ويرد كيد الشيطان ومكره بالكشف عن تلبيسه ببصيرته النافذة، ونورانيته الباهرة، فإن غلب على الكل بجعلها مقهورة تحت سياسته غير مقدمة على فعل إلا بإشارته جرى الكل على المنهج الوسط، وظهر العدل في مملكة البدن، وإن لم يغلب عليها وعجز عن قهرها قهروه واستخدموه فلا يزال الكلب في العقر والإيذاء، والخنزير في المنكر والفحشاء، والشيطان في استنباط الحيل، وتدقيق الفكر في وجوه المكر والخدع، ليرضى الكلب ويشبع الخنزير، فلا يزال في عبادة كلب عقور، أو خنزير هلوع أو شيطان عنود، فتدركه الهلاكة الأبدية، والشقاوة السرمدية