إن لم تغثه العناية الإلهية، والرحمة الأزلية.
وقد يمثل اجتماع هذه القوى في الإنسان براكب بهيمة طالب للصيد يكون معه كلب وعين من قطاع الطريق، فالراكب هو العقل، والبهيمة هي الشهوة، والكلب هو الغضب، والعين هو القوة الوهمية التي هي من جواسيس الشيطان، فإن كان الكل تحت سياسة الراكب فعل ما يصلح للكل ونال ما بصدده، وإن كانت الغلبة والحكم للبهيمة أو الكلب لهلك الراكب بذهابه معهما فيما لا يصلح له من التلال والوهاد، واقتحامه في موارد الهلكات وإن كان الكل تحت نهي العين وأمره، وافتتنوا بخدعه ومكره لأضلهم بتلبيسه عن سواء السبيل حتى يوصلهم إلى أيدي السارقين.
وكذلك لو كانت القوى بأسرها تحت إشارة العقل وقهرها وغلب عليها وقعت لانقيادها له المسالمة والممازجة بين أكل، وصار الجميع كالواحد، لأن المؤثر والمدبر حينئذ ليس إلا قوة واحدة تستعمل كلا منها في المواضع اللائقة والأوقات المناسبة، فيصدر عن كل منها ما خلق لأجله، على ما ينبغي من القدر والوقت والكيفية، فتصلح النفس وقواها.
قد أفلح من زكاها (31).
ولو لم يغلب العقل حصل التدافع والتجاذب بينه وبين سائر القوى، ويتزايد ذلك إلى أن يؤدي إلى انحلال الآلة والقوة لو يصير العقل مغلوبا فتهلك النفس وقواها.
وقد خاب من دساها (32).
(تتميم) لما تبين أن للنفس أربع قوى متخالفة، ولها قوى أخر أيضا كما تبين في العلم الطبيعي، فبحسب غلبة بعض هذه القوى على بعض يحصل في النفس اختلاف عظيم، والاختلاف في النفوس إنما هو باختلاف صفاتها الحاصلة من غلبة بعض قواها المتخالفة. إذ هي في بدو فطرتها خالية عن جميع الأخلاق والملكات، وليس لها فعلية، بل هي محض القوة، ولذا ليس