والعادة أو استعدادات الأبدان والأمزجة، والمقتضي ما يمكن زواله كالبرودة للماء، لا ما يمتنع انفكاكه كالزوجة للأربعة. والخبر الأول لا يفيد المطلوب بوجه. والثاني مع عدم ثبوته عندما يدل على خلاف مطلوبهم، لأن قوله:
(سيعود إلى ما جبل عليه) يفيد إمكان إزالة الخلق بالأسباب الخارجية من التأديب والنصائح وغيرهما، وبعد إزالته بها يعود بارتفاعها كبرودة الماء التي تزول ببعض الأسباب وتعود بعد زوال السبب، فلو دام على حفظ الأسباب وإبقائها لم يحصل العود أصلا.
وإذ ثبت بطلان القولين الأولين فالحق القول بالتفصيل، يعني قبول بعض الأخلاق بل أكثرها بالنسبة إلى الأكثر التبديل للحس والعيان، ولبطلان السياسات والشرائع لولاه ولإمكان تغير خلق البهائم، إذ ينتقل الصيد من التوحش إلى الأنس والفرس من الجماح إلى الانقياد والكلب من الهراشة إلى التأدب، فكيف لا يمكن في حق الإنسان، وعدم قبول بعضها بالنسبة إلى البعض له، للمشاهدة والتجربة، وهذا البعض مما لا يكون متعلق التكليف كالأخلاق المتعلقة بالقوة العقلية من الذكاء والحفظ وحسن التعقل وغيرها.
والتصفح يعطي اختلاف الأشخاص والأخلاق في الإزالة والاتصاف بالضد بالإمكان والتعذر والسهولة والتعسر وبالتقليل والرفع بالمرة، ولذا لو تصفحت أشخاص العالم لم تجد شخصين متشابهين في جميع الأخلاق، كما لا تجد اثنين متماثلين في الصورة. ويشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وآله:
" أعملوا فكل ميسر لما خلق له ".
وقال أرسطاليس: " يمكن صيرورة الأشرار أعيارا بالتأديب إلا أن هذا ليس كليا، فإنه ربما أثر في بعضهم بالزوال وفي بعضهم بالتقليل وربما لم يؤثر أصلا ".
ثم المراد من التغيير ليس رفع الغضب والشهوة مثلا وإماطتهما بالكلية فإن ذلك محال لأنهما مخلوقتان لفائدة ضرورية في الجبلة، إذ لو انقطع الغضب عن الإنسان بالكلية لم يدفع عن نفسه ما يهلكه ويؤذيه وامتنع جهاد الكفار، ولو انعدم عنه شهوة الطعام لم تبق حياته، ولو بطل عنه شهوة الوقاع بالمرة لضاع النسل، بل المراد ردهما من الإفراط والتفريط إلى