المتأثر بالالتذاذ والتألم بعد التخيل هو الغضبية وبواسطتها تتأثر النفس، ففي هذا النوع من اللذة والألم تتأثر الغضبية لم تتأثر النفس.
وأما ما يتعلق بالوهم والخيال فالمتأثر بالالتذاذ والتألم هاتان القوتان ويصل التأثر منهما إلى النفس من دون توسط القوة الغضبية.
ومما يوضح الفرق أن الالتذاذ والتألم الخياليين لا يتوقفان على وجود غلبة ومغلوبية مثلا في الخارج، وأما الغضبيان فيتوقفان عليهما.
ثم أقوى اللذات هي العقلية لكونها فعلية ذاتية غير زائلة باختلاف الأحوال، وغيرها من اللذات الحسية انفعالية عرضية منفعلة زائلة، وهي في مبدأ الحال مرغوبة عند الطبيعة، وتتزايد بتزايد القوة الحيوانية، وتتضعف بعضها إلى أن تنتفي بالمرة، ويظهر قبحها عند العقل، وأما العقلية فهي في البداية منتفية، لأن إدراكها لا يحصل إلا للنفوس الزكية المتحلية بالأخلاق المرضية، وبعد حصولها يظهر حسنها وشرفها، وتتزايد بتزايد القوة العقلية، إلى أن ينتهي إلى أقصى المراتب، ولا يكون لها نقص ولا زوال.
والعجب ممن ظن انحصار اللذة في الحسية وجعلها غاية كمال الإنسان وسعادته القصوى. والمتشرعون منهم قصروا اللذات الآخرة على الجنة والحور والغلمان وأمثالها، وآلامها على النار والعقارب والحيات وأشباهها، وجعلوا الوصول إلى الأولى والخلاص عن الثانية غاية لزهدهم وعبادتهم، وكأنهم لم يعلموا أن هذه عبادة الأجراء والعبيد تركوا قليل المشتبهات ليصلوا إلى كثيرها. وليت شعري أن ذلك كيف يدل على الكمال الحقيقي والقرب من الله سبحانه! ولا أدري أن الباكي خوفا من النار وشوقا إلى اللذات الجسمية المطلوبة للنفس البهيمية كيف يعد من أهل التقرب إلى الله سبحانه ويستحق التعظيم ويوصف بعلو الرتبة! وكأنهم لم يدركوا الابتهاجات الروحانية، ولا لذة المعرفة بالله وحبه وأنسه ولم يسمعوا قول سيد الموحدين (37) (ص) " إلهي ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك ".
وبالجملة لا ريب في أن الإنسان في اللذة الجسمية يشارك الخنافس