شريرا. ونرى أن التأديب " في السياسات 26 " فيه أثر عظيم في زوال الأخلاق، ولولاه لم يكن لقوة الروية فائدة وبطلت التأديبات والسياسات ولغت لشرائع والديانات، ولما قال الله سبحانه: (قد أفلح من زكاها) (27).
ولما قال النبي صلى الله عليه وآله: حسنوا أخلاقكم، ولما قال: بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
ورد: بمنع كلية الصغرى فإنا نشاهد أن بعض الأخلاق في بعض الأشخاص غير قابل للتبديل (لا) سيما ما يتعلق بالقوة النظرية، كالحدس والتحفظ، وجودة الذهن، وحسن التعقل، ومقابلاتها كما هو معلوم من حال بعض الطلبة، فإنه لا ينجح سعيهم في التبديل مع مبالغتهم في المجاهدة.
وما قيل: من لزوم تعطل القوة المميزة وبطلان التأديب والسياسات مردود: بأن هذا اللزوم إذا لم يكن شئ من الأخلاق قابلا للتغيير، وأما مع قبول بعضها أو أكثرها له فلا يلزم شئ مما ذكر، ولو كان عدم قبول بعض الأخلاق للتغيير موجبا لبطلان علم الشرائع والأخلاق لكان عدم قبول بعض الأمراض للصحة مقتضيا لبطلان علم الطب، مع إنا نعلم بديهة أن بعض الأمراض لا يقبل العلاج.
(وحجة القول الثاني) إن الأخلاق بأسرها تابعة للمزاج، والمزاج لا يتبدل، واختلاف مزاج شخص واحد في مراتب سنة لا ينافي ذلك، لجواز تابعيتها لجميع مراتب عرض المزاج، وأيد ذلك بقوله (ص):
(الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام) وبقوله (ص): (إذا سمعتم أن جبلا زال عن مكانه فصدقوه، وإذا سمعتم برجل زال عن خلقه فلا تصدقوه، فإنه سيعود إلى ما جبل عليه).
و (الجواب) إن توابع المزاج من المقتضيات التي يمكن زوالها لا من اللوازم التي يمتنع انفكاكها، لما ثبت في الحكمة من أن النفوس الإنسانية متفقة في الحقيقة، وفي بدو فطرتها خالية عن جميع الأخلاق والأحوال كما هو شأن العقل الهيولائي. ثم ما يحصل لها منهما أما من مقتضيات الاختيار