(الخامس) أن يأكل مع خدامه وغلمانه، فإن لم يثقل عليه فهو متواضع وإلا فمتكبر. وروي رجل من أهل بلخ، قال: " كنت مع الرضا (ع) في سفره إلى خراسان، فدعا يوما بمائدة، فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم، فقلت: جعلت فداك! لو عزلت لهؤلاء مائدة، قال عليه السلام إن الرب تعالى واحد، والدين واحد، والأم واحدة، والأب واحد، والجزاء بالأعمال ".
والامتحانات لبقاء الكبر ليست منحصرة بما ذكر، بل هي كثيرة:
كأن يحب قيام الناس له أو بين يديه، قال أمير المؤمنين عليه السلام:
" من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى رجل قاعد وبين يديه قوم قيام ". وقال بعض الصحابة: " لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلمون من كراهته لذلك ".
وأن يحب أن يمشي خلفه غيره، وقد روي " أنه لا يزال العبد يزداد من الله بعدا ما مشى خلفه ". وكان رسول الله (ص) في بعض الأوقات يمشي مع بعض الأصحاب، فيأمرهم بالتقدم ويمشي في غمارهم.
وألا يزور غيره، وإن كان في زيارته فائدة دينية. وأن يستنكف من مجالسة الفقراء والمعلولين والمرضى. روي أنه دخل على رسول الله رجل وعليه جدري قد تقشر، وعنده ناس من أصحابه يأكلون، فما جلس عند أحد إلا قام من جنبه. فأجلسه النبي (ص) إلى جنبه. وكان (ص) في نفر من أصحابه يأكلون في بينه. إذ دخل عليهم رجل به زمانة تنكره الناس لأجلها، فأجلسه رسول الله على فخذه وقال له: " أطعم "، وكأن رجلا من قريش اشمأز منه وتكره، فما مات ذلك الرجل حتى كانت به زمانة مثلها.
ومر سيد الساجدين عليه السلام على المجذومين (88) وهو راكب حماره، وهم يتغدون، فدعوه إلى الغداء، فقال، " أما إني لولا أني صائم لفعلت " فلما صار إلى منزله أمر بطعام فصنع، وأمر أن يتنوقوا فيه، ثم دعاهم فتغدوا عنده وتغدى معهم.. وقس على هذه غيرها من الامتحانات.
ولقد كانت سيرة رسول الله (ص) جامعة لجميع ما يمتحن به التواضع