ووضعه في حقه.
وأما (العجب بالقوة وشدة البطش): فعلاجه أن يتذكر ما سلط عليه من العلل والأمراض، وإن حمى يوم تضعف قوته ويتحلل منها ما لا ينجبر في مدة، وإنه لو وجع عرق واحد من بدنه صار أعجز من كل عاجز وأذل من كل ذليل، وإنه لو سلبه الذباب شيئا لم يستنقذه منه، وإن بقة لو دخلت في أنفه أو نملة دخلت في أذنه لقتلته، وإن شوكة لو دخلت في رجله لأعجزته. ثم أقوى إنسان لا يكون أقوى من حمار أو جمل أو فيل أو بقر، وأي عجب وافتخار في صفة يسبقه البهائم فيها، هذا مع أن الغالب أن من يعجب بقوته يسلبها الله تعالى عنه بأدنى آفة يسلطها عليه.
وأما (العجب بالجاه، والمنصب، وولاية السلاطين، وكثرة الأتباع والأنصار: من الأولاد والأقارب والقبائل والعشائر والخدم والغلمان):
فعلاجه أن يعلم أن كل ذلك في معرض الانقطاع، وعن قريب يقع بينه وبينها المفارقة، إما بفنائه وموته أو بفنائها وهلاكها، بل العاقل يجدها كسراب بقيعة، وإنما هي خيالات تظن شيئا وليست بشئ، وستفترق عنه إذا مات ودفن في قبره ذليلا مهينا وحده، لا يرافقه أهل وأولاد ولا أعوان وأتباع، فيسلمونه إلى البلاء وإلى العقارب والحيات والديدان، ولا يغنون عنه شيئا وهو في أحوج أوقاته إليهم، وكيف يعجب العاقل بمن يفارقه في أشد أحواله!
على أنهم في الدنيا يتبعونه ما دام يحصل منه ما يشتهونه من البذل والإعطاء، فلا بد له من إيقاع نفسه في المهالك وتعرضه لسخط الله وعقوبته، لتحصيل الأموال من الوجوه المحرمة وصرفها إليهم، ليستمروا على متابعته وإعانته، ولو نقص شئ مما يتمنونه تعرضوا لمقته وعداوته، فضلا عن بقائهم على حمايته وإطاعته. ثم المعجب بتمكين السلطان وولايته بناء أمره على قلب هو أشد غليانا من القدر، إذ لو تغير عليه كان أذل الخلق.
وأما (العجب بالعقل والكياسة والتفطن لدقائق الأمور): فعلاجه أن يعلم أن ذلك يزول عنه بأدنى مرض يصيب دماغه، وربما زال عقله دفعة.
مع أنه إن كان في الواقع فطنا كيسا في الأمور يلزم عليه أن يشكر الله تعالى