وأما (العجب بالحسب والنسب): فعلاجه يتم بمعرفة أمور:
الأول - أن يعلم أن التعزز بكمال الغير غاية السفاهة والجهل، فإنه لو كان خسيسا في صفات ذاته، فمن أين يجير خسته كمال غيره، ولو كان أباه أوجده، بل لو كان يعجب به بالانتساب حيا لكان له أن يقول الفضل لي لا لك وأنت دودة خلقت من فضلتي، أفترى أن الدودة التي خلقت من فضلة الإنسان أشرف من الدودة التي خلقت من فضلة حمار؟!
هيهات! فإنهما متساويان في الخسة، إن الشرف للانسان لا للدودة، ولذا قال أمير المؤمنين عليه السلام:
أنا ابن نفسي وكنيتي أدبي * من عجم كنت أو من العرب إن الفتى من يقول ها أنذا * ليس الفتى من يقول كان أبي وقيل:
لئن فخرت بآباء ذوي شرف * لقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا وقد روي: " إن أبا ذر قال بحضرة النبي (ص) لرجل: (يا ابن السوداء!)، فقال النبي (ص): " يا أبا ذر! طف الصاع طف الصاع، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل ". فاضطجع أبو ذر وقال للرجل:
قم فطأ على خدي ". وروي: " إن بلالا لما أذن يوم الفتح على الكعبة قال جماعة: هذا العبد الأسود يؤذن! فنزل قوله تعالى:
" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " (58).
وقال رسول الله (ص): " إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية - أي كبرها - كلكم بنو آدم وآدم من تراب ". ونقل: أن واحدا من رؤساء اليونان افتخر على غلام، فقال له: إن كان منشأ افتخارك آباؤك فالتفوق لهم لا لك، وإن كان لباسك فالشرافة له دونك، وإن كان مركوب فالفضيلة له لا لك، فليس لك شئ يصلح للعجب والمفاخرة. ولذا قال متمم مكارم الأخلاق (ص): " لا تأتوني بأنسابكم وائتوني بأعمالكم ".
الثاني - أن يعرف نسبه الحقيقي، قال أباه القريب نطفة قذرة،