ويكون سعيه أبدا في تحصيل الكمالات بقدر الإمكان والتخلص عن مزاحمة الزمان والمكان، وقطع علاقته من الدنيا وزخارفها الفانية والميل إلى الحياة واللذات الباقية، والاهتمام في كسب الابتهاجات العقلية والاتصال التام بالحضرة الإلهية، حتى يتخلص عن سجن الطبيعة ويرتقي إلى أوج عالم الحقيقة، فيتفق له الموت الإرادي الموجب للحياة الطبيعية، كما قال (معلم الاشراق): " مت بالإرادة تحيى بالطبيعة "، فينقل إلى مقصد صدق هو مستقر الصديقين، ويصل إلى جوار رب العالمين، وحينئذ يشتاق للموت ولا يبالي بتقديمه وتأخيره، ولا يركن إلى ظلمات البرزخ الذي هو منزل الأشقياء والفجار ومسكن الشياطين والأشرار، ولا يتمنى الحياة الفانية أصلا، ينطق بلسان الحال:
خرم آن روز كزين منزل ويران بروم راحت جان طلبم وزپي جانان بروم بهواي لب أو ذره صفت رقص كنان تالب چشمه خورشيد درخشتان بروم (91) (السابع) تصور العذاب الجسماني والروحاني المترتب على ذمائم الأعمال وقبائح الأفعال. ولا ريب في أن الخوف من ذلك ممدوح، وهو معدود من أقسام النوع الثاني، إلا أن البقاء عليه وعدم السعي فيما يدفعه من ترك الخطيئات وكسب الطاعات جهل وبطالة، إذ هذا الخوف ناشئ من سوء الاختيار، وقد بعث الله الرسل وأوصياءهم لاستخلاص الناس عنه. فعلاجه ترك المعاصي وتحصيل معالي الأخلاق. ومعلوم أن المنهمك في المعاصي مع خوفه من العذاب كالملقي نفسه في البحر أو النار مع خوفه من الغرق والحرق، ولا ريب في أن إزالة هذا الخوف باختياره، فليترك