بالعاقل أن يرتبط بها قلبه، وكيف يحب العاقل خسائس عالم الطبيعة ويطمئن إليها، مع علمه بأنه قريب يفارقها، فاللازم أن يخرج حب الدنيا وأهلها عن قلبه ليتخلص من هذا الألم.
(الخامس) تصور سرور الأعداء وشماتتهم بموته. وهذا وسوسة شيطانية صادرة عن محض التوهم إذ مسرة الأعداء أو شماتتهم لا توجب ضررا في إيمانه ودينه، ولا ألما في روحه وجسمه، على أن ذلك لا يختص بالموت، إذ العدو يشمت ويفرح بما يرد عليه في حال الحياة أيضا من البلايا والمحن، فمن كره ذلك فليجتهد في قطع العداوة وإزالتها بالمعالجات المقررة للحقد والحسد.
(السادس) تصور تضييع الأولاد والعيال، وهلاك الأعوان والأنصار.
وهذا أيضا من الوساوس الباطلة الشيطانية والخواطر الفاسدة النفسانية، إذ ذلك يوجب ظن منشئيته لاستكمال الغير وعزته، ومدخليته في قوته وثروته، وذلك ناشئ من جهله بالله وبقضائه وقدره، إذ فيضه الأقدس اقتضى إيصال كل ذرة من ذرات العالم إلى ما يليق بها وإبلاغها إلى ما خلقت لأجله، وليس لأحد أن بغير ذلك أو يبدله. ولذا ترى أكثر الأفاضل يجتهدون في تربية أولادهم ولا ينجح سعيهم أصلا، وتشاهد غير واحد من الأغنياء يخلفون لأولادهم أموالا كثيرة ونخرج عن أيديهم في مدة قليلة، وترى كثيرا من أيتام الأطفال لا تربية لهم ولا مال، ومع ذلك يبلغون بالتربية الأزلية مدراج الكمال، أو يحصلون ما لا حصر له من الأموال. والغالب أن الأيتام الذين ذهب عنهم الآباء في حالة الصبي تكون ترقياتهم في الآخرة والدنيا أكثر من الأولاد الذين نشأوا في حجر الآباء. والتجربة شاهدة بأن من اطمأن من أولاده بمال يخلفه لهم أو ذي قوة يفوض إليه أمورهم اعتراهم بعده الفقر والفاقة والذلة والمهانة، وربما صار ذلك سببا لهلاكهم وانقراضهم. ومن فرض أمورهم إلى رب الأرباب وخالق العباد أزداد لهم بعده عزا وقوة وكثرة وثروة. فاللائق بالعقلاء أن يفوضوا أمور الأولاد وغيرهم من الأقارب والأنصار إلى من خلقهم ورباهم، ويوكلهم إلى موجدهم ومولاهم، وهو نعم المولى ونعم الوكيل. وقد ظهر أن