معصية ممن شهر سيفه علانية مريدا قتله، إذ الثاني أظهر ما في بطنه وأعلم هذا الغير بإرادته، فيجزم بأنه عدو محارب له فيتعرض لصرف شره ومنع ضره، فربما تمكن من دفعه، وأما الأول فظاهره في مقام الإحسان وباطنه في مقام الإيذاء والعدوان، والغافل المسكين لا خبر له عن خباثة باطنه، فيقطع بأنه يحسن إليه، فلا يكون معه في مقام الدفع والاحتياط، بل في مقام المحبة والوداد، فيقتله وهو يعلم أنه يحسن إليه، ويهلكه وهو في مقام الخجل منه.
وبالجملة: هذه الرذيلة أخبث الرذائل وأشدها معصية، ولذلك قال رسول الله (ص): " ليس منا من ماكر مسلما ". وقال أمير المؤمنين (ع):
" لولا أن المكر والخديعة في النار لكنت أمكر الناس "، وكان عليه السلام كثيرا ما يتنفس الصعداء ويقول: " واويلاه يمكرون بي يعلمون أني بمكرهم عالم وأعرف منهم بوجوه المكر، ولكني أعلم أن المكر والخديعة في النار فأصبر على مكرهم ولا ارتكب مثل ما ارتكبوا ".
وطريق علاجه - بعد اليقظة - أن يتأمل في سوء خاتمته ووخامة عاقبته، وفي تأديته إلى النار ومجاورة الشياطين والأشرار، ويتذكر أن وبال وشهدت به التجربة والاعتبار. ثم يتذكر فوائد ضد المكر ومحامده، أعني استنباط ما يوجب النصيحة والخيرية للمسلمين وموافقة ظاهره لباطنه في أفعاله وأقواله - كما يأتي في محله - وبعد ذلك لو كان عاقلا مشفقا على نفسه لاجتنب عنه كل الاجتناب، وينبغي أن يقدم التروي في كل فعل يصدر عنه لئلا يكون له فيه مكر وحيلة، وإذا عثر على فعل يتضمنه فليتركه معاتبا لنفسه، وإذا تكرر منه ذلك نزول عن نفسه أصول المكر وفروعه بالكلية بعون الله وتوفيقه.