وألصقها بالآخر، كان كالرباط، وخلق في أحدهما زوائد خارجة منه وفي الآخر حفرا غائصة فيه موافقة لشكل الزوائد، ليدخل فيها وينطبق عليها، ولذلك لو أراد الإنسان أن يحرك جزأ من بدنه دون سائر أعضائه لم يتعسر عليه، ولولا المفاصل لتعذر عليه ذلك.
ثم وسط بين العظام الصلبة واللحوم الرخوة (الغضاريف) وهي من العظم ألين ومن اللحم أصلب، ليحسن اتصال الصلب باللين، فلا يتأذى منه، وخصوصا عند الضربة والضغطة، وليحسن به مجاورة المفاصل المتحاكة، فلا تتراض لصلابتها.
ثم انظر - يا أخي - في (العروق) وما فيها من العجائب والحكم، فإنها خلقت على نوعين: (أحدهما) الشرايين: وهي العروق الضوارب المتحرك، ومنبتها القلب. ولما كان القلب ينبوع الحياة ومنبع الروح والحرارة الغريزية خلقت هذه العروق مبتدأة منه منتشرة في سائر الأعضاء لإيصال الروح والحياة منه إليها، ولها حركتان، إنقباضية يقبض بها الأبخرة الدخانية عن القلب، وانبساطية يجذب بها صافي النسيم إليه، ليستريح، ولولا هذا القبض والجذب لاختنق القلب بالبخار الدخاني، وخلقت ذات صفاقين لئلا تنشق بقوة حركتها ولئلا يتحلل ما فيها من الروح، وجعل الصفاق الداخل أصلب لأنه الملاقي لقوة الحرارة الغريزية ومصادمة حركة الروح، فأوجبت الحكمة الإلهية زيادة أحكامها حفظا لها عن الانشقاق، لقوة حركة الروح، وتقوية لمحل الحرارة الغريزية، لئلا يتحلل شئ منها يتحلل محلها. وواحد من هذه الشرايين، ويسمى الشريان الوريدي، لما كان حاملا لغذاء الرية لأن غذاءها من القلب، فيغوص فيها ويصير شعبا، فخلق لذلك ذا صفاق واحد لئلا يزاحم بصلابته الرية لرخاوتها ولينها، مع عدم مصادمة لحمها له عند الحركة لكثرة لينه ورخاوته. فلم تكن حاجة إلى زيادة استحكامه، على أن الرية تحتاج إلى الغذاء على سبيل الترشح بسرعة وسهولة، وكثرة الصلابة منافيه لذلك. (وثانيهما) العروق الساكنة: وتسمى الأوردة، وشأنها جذب الغذاء من المعدة إلى الكبد ومنه إلى سائر الأعضاء، وهي ذات صفاق واحد لأنها ساكنة، فلا يخشى انشقاقها. وجعل واحد منها ويسمى الوريد