كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج ٢ - الصفحة ٢٧٢
بالسهام والجندل، وانظروا لا يكونن شيء مما خلق ربكم أهون عليكم من الدنيا فإنها دار الفتنة وسجن المؤمن، ولا يكونن شيء أحب إليكم من لقاء ربكم فإن ما عند الله خير للأبرار، ألا! وإني سائر فسيروا إلى لقاء عدوكم غدا إن شاء الله ولا قوة إلا بالله.
قال: ثم نزل عن المنبر ودعا عمران بن الحصين واستخلفه على البصرة.
وخرج أبو موسى بمن معه من الناس حتى نزل الأيلة (1) وتلاحق به الناس، فرحل من الأيلة (1) حتى دخل أرض الأهواز، فجعل يفتحها رستاقا رستاقا ونهرا نهرا، والفرس يرتفعون بين يديه ويخلون له البلاد وأبو موسى في أثرهم يتبعهم فيخرب أرضهم ويغنم أموالهم، حتى فتح أرض الأهواز كلها إلا السوس وتستر ومناذر ورامهرمز هذه الأربعة (2).
ثم نزل على مناذر الكبرى وبها يومئذ خلق كثير من الفرس، فناوشهم أبو موسى القتال، وتقدم فتى من خيار المسلمين يقال له المهاجر بن زياد بن الديان (3) فجعل يقاتل قتالا شديدا وهو في ذلك صائم، فأقبل أخ له يقال له الربيع بن زياد إلى أبي موسى فقال: أيها الأمير، إن أخي مهاجر بن بن زياد قد شرى نفسه لله في هذا اليوم وهو صائم، وأنا أعلم أنه قد بلغ منه العطش فلو أمرته أن يفطر ويحارب العدو!
قال: فنادى أبو موسى في الناس (4): ألا! أني أحرج على رجل قاتل في هذا اليوم وهو صائم. قال: فدعا المهاجر بن زياد بشربة من ماء فشرب، ثم قال: أيها الأمير! أترى هذه الشربة [من] الماء تحول بيني وبين دخول الجنة؟ لا والله لا كان ذلك أبدا إن شاء الله وأنا أريد الشهادة.

(1) كذا بالأصل، وهو بعيد، لعله (الأبلة).
(2) وذلك في سنة 17. والخبر في الطبري 4 / 208 باختلاف ولم يأت فيه على ذكر أبي موسى. وقال فتوح البلدان ص 370 أن المغيرة بن شعبة غزا في ولايته سوق الأهواز وشخص عتبة من البصرة آخر سنة 15 أو أول سنة 16. وبعث نكث الهرمزان صلحه غزاها أبو موسى، وكان أبو موسى قد تولى البصرة بعد المغيرة وذلك في سنة 17. ويؤيد ذلك ما جاء في كتاب عمر إلى أبي موسى (... فقد بلغني أن الأعاجم قد تحركت بأرض الأهواز من تستر والسوس ومناذر وما والى ذلك... سر على بركة الله) (انظر نص كتاب عمر إلى أبي موسى في الصفحة السابقة).
(3) عن فتوح البلدان ص 370 وبالأصل: عبد المدان.
(4) عبارة فتوح البلدان: عزمت على كل صائم أن يفطر أو لا يخرج إلى القتال.
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « 267 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»
الفهرست