بالسهام والجندل، وانظروا لا يكونن شيء مما خلق ربكم أهون عليكم من الدنيا فإنها دار الفتنة وسجن المؤمن، ولا يكونن شيء أحب إليكم من لقاء ربكم فإن ما عند الله خير للأبرار، ألا! وإني سائر فسيروا إلى لقاء عدوكم غدا إن شاء الله ولا قوة إلا بالله.
قال: ثم نزل عن المنبر ودعا عمران بن الحصين واستخلفه على البصرة.
وخرج أبو موسى بمن معه من الناس حتى نزل الأيلة (1) وتلاحق به الناس، فرحل من الأيلة (1) حتى دخل أرض الأهواز، فجعل يفتحها رستاقا رستاقا ونهرا نهرا، والفرس يرتفعون بين يديه ويخلون له البلاد وأبو موسى في أثرهم يتبعهم فيخرب أرضهم ويغنم أموالهم، حتى فتح أرض الأهواز كلها إلا السوس وتستر ومناذر ورامهرمز هذه الأربعة (2).
ثم نزل على مناذر الكبرى وبها يومئذ خلق كثير من الفرس، فناوشهم أبو موسى القتال، وتقدم فتى من خيار المسلمين يقال له المهاجر بن زياد بن الديان (3) فجعل يقاتل قتالا شديدا وهو في ذلك صائم، فأقبل أخ له يقال له الربيع بن زياد إلى أبي موسى فقال: أيها الأمير، إن أخي مهاجر بن بن زياد قد شرى نفسه لله في هذا اليوم وهو صائم، وأنا أعلم أنه قد بلغ منه العطش فلو أمرته أن يفطر ويحارب العدو!
قال: فنادى أبو موسى في الناس (4): ألا! أني أحرج على رجل قاتل في هذا اليوم وهو صائم. قال: فدعا المهاجر بن زياد بشربة من ماء فشرب، ثم قال: أيها الأمير! أترى هذه الشربة [من] الماء تحول بيني وبين دخول الجنة؟ لا والله لا كان ذلك أبدا إن شاء الله وأنا أريد الشهادة.