أتاني من الانباء أمر مجمجم * أجود بأنفاس الرجال فضيعوا إلى آخرها.
قال: ثم أقبل معاوية على هذا الرجل القادم عليه فقال: أيها الرجل! إن كان عندك مهز فهزني، فقال: نعم، فاسمع ما أشير به عليك، إن عليا قد بايعه أهل الحجاز وأهل اليمن وأهل مصر وأهل الكوفة ولا أظن أهل البصرة بايعوه، وأنك لتقوى على علي إن أردت مخالفته بدون ما تقدره نفسك، لان الذين معك من أهل الشام لا يقولون إذا قلت، ولا يسألون إذا سألت (1)، والذين مع علي يقولون إذا قال، ويسألون إذا أمر، فقليل من معك خير من كثير من معه، واعلم يا معاوية! إن غلبه العراق والحجاز حتى تأخذ الشام دون العراق، فقال معاوية: والله! لقد صدقت في جميع ما قلت، ولقد ندمت عن قعودي عن عثمان، وقد استغاث بي فلم أجبه وأنا القائل في ذلك أبياتا مطلعها:
أتاني أمر فيه للنفس غمة * وفيه بكاء للعيون طويل (2) إلى آخرها.
قال: فشاعت هذه القصيدة بالمدينة وبلغ ذلك المغيرة بن شعبة (3) فجاء إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين! إن لك عندي نصيحة فاقبلها، فقال علي: وما تلك يا مغيرة؟ قال: لست إني أخاف عليك أحدا يخالفك ويشعث عليك إلا معاوية بن أبي سفيان، لأنه ابن عم عثمان والشام في يده، فابعث إليه بعهده وألزمه طاعتك، وابعث إلى عبد الله بن عامر بن كريز بعهده على البصرة، فإنه يسكن عنك الأعداء ويهدي عليك البلاد، فقال علي:
ويحك يا مغيرة! والله ما منعني من ذلك إلا قول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وما كنت متخذ المضلين عضدا) (4) والله! لا يراني الله تعالى وأنا أستعمل معاوية