ودعوى انحلال المقام إلى قصدين وإنشاءين: أحدهما إنشاء الطلاقية، والثاني إنشاء العوضية، وفساد أحدهما لا يقتضي فساد الآخر - وذلك لعدم اعتبار العوضية في الطلاق، لا أقل من أن يكون العوض هنا كالنكاح الذي قد عرفت عدم بطلانه بفساد المهر - يدفعها منافاتها للوجدان الذي لم يفرق بين تقييد المقام وتقييد غيره، وعدم اعتبار العوض فيه لا ينافي كون القصد المقيد الذي هو قصد واحد عرفا، والقياس على النكاح لا يوافق مذهبنا، ومن هنا مال جماعة إلى عدم الصحة.
نعم قد يقال: إنه لا عوضية حقيقة في المقام، ولذا لو رجعت بالبذل لم يبطل الطلاق، بل يكون رجعيا نصا (1) وفتوى، بل ستسمع عدم الخلاف بينهم في عدم فساد الطلاق لو كان البذل مما لا يملكه المسلم أو مغصوبا أو غير ذلك، مما يقتضي عدم صحة بذله، وليس ذلك إلا لعدم المعاوضة المصطلحة التي من المعلوم انتفاء موضوعها بانتفاء عوضها، وإنما هي معاوضة بالمعنى الأعم، أي أن البذل منها باعث على ايجاد الطلاق الذي هو من قسم الايقاع الذي لا يملك عوضا ولا شرطا، فهو حينئذ على معناه الأصلي، ولم ينقلب طلاق الخلع إلى قسم العقود حتى يكون " فلانة طالق - مثلا - بكذا " إيجابا، وقولها: " قبلت " قبولا، ولكن الشارع ذكر في هذا القسم من الايقاع صحة البذل الباعث على إيقاعه، واعتبر فيه المقارنة له، وارتفاع البينونة بارتفاعه، فهي حينئذ أحكام توهم من توهم منها إجراء حكم المعاوضة عليها، وغفل عما سمعت من الصحة نصا (2) وفتوى مع الرجوع بالبذل وغيره مما عرفت.
وبذلك يتجه ما ذكره المصنف وغيره من الأساطين في المقام وفي غيره مما ستسمع، بل وفي: