الفائدة الثانية الأقرب عندي عدم الاكتفاء في تزكية الراوي بشهادة العدل الواحد، وهو قول جماعة من الأصوليين، ومختار المحقق أبي القاسم بن سعيد (1)، والمشهور بين أصحابنا المتأخرين الاكتفاء بها.
لنا أن اشتراط العدالة في الراوي، يقتضي اعتبار حصول العلم بها، وظاهر أن تزكية الواحد لا تفيده بمجردها، والاكتفاء بالعدلين مع عدم إفادتهما العلم إنما هو لقيامهما مقامه شرعا، فلا يقاس عليه.
حجة المشهور وجوه: أحدها أن التزكية شرط للرواية، فلا تزيد على مشروطها، وقد اكتفى في أصل الرواية بالواحد. الثاني عموم المفهوم في قوله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا (2)) نظرا إلى أن تزكية الواحد داخلة فيه، فإذا كان المزكي عدلا لا يجب التثبت عند خبره، واللازم من ذلك الاكتفاء به. الثالث أن العلم بالعدالة متعذر غالبا، فلا يناط التكليف به، بل بالظن وهو يحصل من تزكية الواحد.
والجواب عن الأول: المطالبة بالدليل على نفي زيادة الشرط على المشروط فهو مجرد دعوى لا برهان عليها، وفي كلام بعض العامة أن الاكتفاء في التزكية بالواحد هو مقتضى القياس، ولا يبعد أن يكون النظر في هذا الوجه من الحجة إلى ذلك، ولم يتفطن له من احتج به من المنكرين للعمل بالقياس، سلمنا ولكن الشرط هو العدالة، والمشروط هو قبول الرواية، والتقريب معهما لا يتم، وإن توهم بعض المتأخرين خلافه فهو من نتائج قلة التدبر لأن الواحد غير كاف في الاخبار بالقبول الذي هو المشروط على هذا التقدير ليلزم مثله في الاخبار بالشرط الذي هو العدالة، بل الذي يكفي فيه الواحد هو نفس الرواية، والعدالة ليست شرطا لها. وأما التزكية فإنما