وإذا أطلقت الصحة في كلام من تقدم فمرادهم منها الثبوت أو الصدق، وقد قوي الوهم في هذا الباب على بعض من عاصرناه من مشايخنا، فاعتمد في توثيق كثير من المجهولين على صحة الرواية عنهم واشتمالها على أحد الجماعة الذين نقلوا الإجماع على تصحيح ما يصح عنهم وهم ثمانية عشر رجلا ذكرهم الكشي، وحكى كلامه في شأنهم جمع من المتأخرين، وأبان بن عثمان أحد الجماعة.
وتكرر في كلام من تأخر الطعن في (أبان) بالفطحية، وأول من ذكره فيما يظهر المحقق - رحمه الله - ولو يأتي به مجردا لوقع في حيز القبول، لكنه عزاه في المعتبر إلى الكشي بطريق التنبيه على المأخذ بعد إيراده بعبارة تعطي الحكم به، فعلم بذلك أنه وهم لأن المذكور في الكشي حكاية عن علي بن الحسن بن فضال أن أبان بن عثمان كان من الناووسية، وعلي بن فضال فطحي لا يقبل جرحه لأبان، على أنا لو قبلناه باعتبار توثيق الأصحاب له كان أبان أحق بقبول الخبر لما علم من نقل الإجماع على تصديقه، فاللازم قبول خبر أبان على كل حال.
وقد تحرر مما أوضحناه أن الصحة إذا وقعت وصفا للحديث أفادت سلامة سنده كله من أسباب الضعف، وكذا إذا وصف بها الإسناد بكماله، وهي في الموضعين جارية على قانون الاصطلاح المتحقق، وأما إذا وصف بها بعض الطريق فهي استعارة مقترنة بها القرينة، ويبقى إطلاقها في صورة الإضافة إلى بعض الرواة على جملة السند مع اشتماله على موجب الضعف، وليس له وجه مناسب وإنما هو محض اصطلاح ناش عن توهم كما بيناه، والأولى هجره رأسا لبعده عن الاعتبار، وإضراره بالاصطلاح السابق، وإن كان قد يكثر في كلام أواخر المتأخرين استعماله فليترك لهم، ويجعل استعمالا مختصا بهم.