وما استشهد به والدي - رحمه الله - في [هذا] المقام من الخلاصة وغيرها لا يصلح شاهدا، فإن الغرض منه بيان حال الطرق إلى الجماعة المذكورين لا عنهم، وإن وقعت العبارة فيه بكلمة (عن) في الأغلب وذلك واضح لمن نظر.
ثم إن إطلاق الصحة على تلك الطرق المعينة استعارة لحظت فيها علاقة المشابهة بينها وبين طرق الأخبار الصحيحة في كون رجالها كلها ثقات، والقرينة فيه واضحة بخلاف قولهم: صحيح فلان، وصحيحته مع كون الطريق ضعيفا، فإن إطلاق الصحة فيه واقع على مجموع السند المفروض ضعفه، وذلك تعمية وتلبيس من غير ضرورة. وقوله: (إنهم يقولون كثيرا: روى ابن أبي عمير في الصحيح) وهم، إنما يقال: روى الشيخ أو غيره في الصحيح عن ابن أبي عمير مثلا، وبين الصورتين فرق ظاهر، فإن إطلاق الصحة على طريق الشيخ إلى ابن أبي عمير نظير إطلاقها في الخلاصة على الطريق إلى الجماعة المجهولين وقد وقعت وصفا لذلك القدر المعين من السند، وأما بالصورة التي ذكرها فالصحة وقعت فيها وصفا لمجموع الطريق مع اشتماله على موجب الضعف، ولو وجد مثله في كلام بعض أوساط المتأخرين، فلا شك أنه واقع عن قصور معرفة بحقيقة هذا الاستعمال. وما ذكره أخيرا من نقلهم الإجماع على تصحيح ما يصح عن أبان بن عثمان مع كونه فطحيا ليس من هذا الباب في شئ، فإن القدماء لا علم لهم بهذا الاصطلاح قطعا لاستغنائهم عنه في الغالب بكثرة القرائن الدالة على صدق الخبر وإن اشتمل طريقه على ضعف كما أشرنا إليه سالفا، فلم يكن للصحيح كثير مزية توجب له التمييز باصطلاح أو غيره، فلما اندرست تلك الآثار واستقلت الأسانيد (1) بالأخبار اضطر المتأخرون إلى تمييز الخالي من الريب وتعيين البعيد عن الشك، فاصطلحوا على ما قدمنا بيانه، ولا يكاد يعلم وجود هذا الاصطلاح قبل زمن العلامة، إلا من السيد جمال الدين بن طاووس - رحمه الله -.