إما بالتواتر من طريق الإشاعة والإذاعة، أو بأمارة وعلامة دلت على صحتها، وصدق رواتها، فهي موجبة للعلم، مقتضية للقطع، وإن وجدناها مودعة في الكتب بسند مخصوص معين من طريق الآحاد.
وغير خاف أنه لم يبق لنا سبيل إلى الاطلاع على الجهات التي عرفوا منها ما ذكروا حيث حظوا بالعين وأصبح حظنا الأثر، وفازوا بالعيان، وعوضنا عنه بالخبر، فلا جرم انسد عنا باب الاعتماد على ما كانت لهم أبوابه مشرعة، وضاقت علينا مذاهب كانت المسالك لهم فيها متسعة، ولو لم يكن إلا انقطاع طريق الرواية عنا من غير جهة الإجازة التي هي أدنى مراتبها لكفى به سببا لإباء الدراية على طالبها.
وأنا أرجو من كرم الله تعالى الإمداد بالمعونة على ما أنا بصدده في هذا الكتاب من بذل الجهد في استدراك ما فات، وصرف الوكد (1) إلى إحياء هذا الموات، ليكون مفتاحا لباب الدراية الأشب (2)، ومعوانا على بناء ربع الرواية الخرب، ومثابة يتبوؤها المستعدون لاستنباط الأحكام، ويلتقط منها المجتهدون درر الفوائد الموضوعة على طرف الثمام (3) ومفازة تنجيني من أخطار الآثام، وتلحقني بالصالحين في درجات دار السلام، واعتمدت فيه إيثار سلوك [سبيل] الإحتضار مع التزام الإشارة في موضع الإشكال إلى ما به ينحل، والتنبيه في محل التعارض على طريق الجمع حرصا على توفر الرغبة في تصحيحه وضبطه، وحذرا من تطرق الملل إلى الاشتغال بقراءته ودرسه.