منه، وإنما يكون الاجماع موجبا للعلم بعده ولا نسخ بعده، فعرفنا أن النسخ بدليل الاجماع لا يجوز.
ثم الأقسام بعد هذا أربعة: نسخ الكتاب بالكتاب، ونسخ السنة بالسنة، ونسخ الكتاب بالسنة، ونسخ السنة بالكتاب. ولا خلاف بين العلماء في جواز القسمين الأولين، ويختلفون في القسمين الآخرين. فعندنا يجوز نسخ الكتاب بالسنة المتواترة أو المشهورة على ما ذكره الكرخي عن أبي يوسف أنه يجوز نسخ الكتاب بمثل خبر المسح على الخفين وهو مشهور، وكذلك يجوز نسخ السنة بالكتاب. وعلى قول الشافعي لا يجوز نسخ الكتاب بالسنة ولا نسخ السنة بالكتاب، فإنه قال في كتاب الرسالة: وسنة رسول الله (ص) لا ينسخها إلا سنة كما لا ينسخ الكتاب إلا الكتاب. فمن أصحابه من يقول مراده نفي الجواز، ومنهم من يقول مراده نفي الوجود: أي لم يوجد في الشريعة نسخ الكتاب بالسنة ولا نسخ السنة بالكتاب. فيحتاج إلى إثبات الفصلين بالحجة.
فأما هو احتج بقوله تعالى: * (قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي) * وفي هذا تنصيص على أنه كان متبعا لكل ما يوحى إليه ولم يكن مبدلا لشئ منه والنسخ تبديل، قال تعالى: * (لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) * فأخبر أنه مبين لما هو المنزل حتى يعمل الناس بالمنزل بعدما تبين لهم ببيانه، وفي تجويز نسخ الكتاب بالسنة رفع هذا الحكم، لان العمل بالناسخ يكون، فإذا كان الناسخ من السنة لا يكون العمل به عملا بالمنزل.
وقوله تعالى: * (ولعلهم يتفكرون) *: أي يتفكرون في المنزل ليعملوا به بعد بيانه، وفي الناسخ في المنسوخ التفكر في التاريخ بينهما ليجعل المتقدم منسوخا بالمتأخر لا في المنزل ليعمل به، وقال تعالى: * (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) * ولا شك أن السنة لا تكون مثلا للقرآن ولا خيرا منه، والقرآن كلام الله غير محدث ولا مخلوق وهو معجز، والسنة كلام مخلوق وهو غير معجز.
فعرفنا أن نسخ الكتاب لا يجوز بالسنة، وقال عليه السلام: إذا روي لكم