وقد انتسخ ذلك بعده، وكذلك جواز الاستمتاع بمن هو بعض من المرء قد كان في شريعته، فإن حواء رضي الله عنها خلقت منه وكان يستمتع بها ثم انتسخ ذلك الحكم حتى لا يجوز لأحد أن يستمتع بمن هو بعض منه بالنكاح نحو ابنته، ولان اليهود مقرون بأن يعقوب عليه السلام حرم شيئا من المطعومات على نفسه، وأن ذلك صار حراما عليهم كما أخبرنا الله تعالى به في قوله: * (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه) * الآية، والنسخ ليس إلا تحريم المباح أو إباحة الحرام، وكذلك العمل في السبت كان مباحا قبل زمن موسى عليه السلام فإنهم يوافقوننا على أن حرمة العمل في السبت من شريعة موسى، وإنما يكون من شريعته إذا كان ثبوته بنزول الوحي عليه، فأما إذا كان ذلك قبل شريعته على هذا الوجه أيضا فلا فائدة في تخصيصه أنه شريعته، فإذا جاز ثبوت الحرمة في شريعته بعد ما كان مباحا جاز ثبوت الحل في شريعة نبي آخر قامت الدلالة على صحة نبوته. ومن حيث المعقول الكلام من وجهين: أحدهما أن النسخ في المشروعات التي يجوز أن تكون مشروعا ويجوز أن لا تكون، ومعلوم أن هذه المشروعات شرعها الله تعالى على سبيل الابتلاء لعباده حتى يميز المطيع من العاصي. ومعنى الابتلاء يختلف باختلاف أحوال الناس، وباختلاف الأوقات، فإن في هذا الابتلاء حكمة بالغة وليس ذلك إلا منفعة للعباد في ذلك عاجلا أو آجلا، لان الله تعالى يتعالى عن أن يلحقه المضار والمنافع، وما لا منفعة فيه أصلا يكون عبثا ضدا للحكمة، ثم قد تكون المنفعة في إثبات شئ في وقت وفي نفيه في وقت آخر كإيجاب الصوم في النهار إلى غروب الشمس أو طلوع النجوم كما هو مذهبهم، ونفي الصوم بعد ذلك، ويختلف ذلك باختلاف أحوال الناس كوجوب اعتزال المرأة في حالة الحيض وانتفاء ذلك بعدما طهرت، ألا ترى أنه لو نص على ذكر الوقت فيه بأن قال حرمت عليكم العمل في السبت ألف سنة ثم هو مباح بعد ذلك كان مستقيما وكان معنى الابتلاء فيه متحققا ولم يكن فيه من معنى البداء شئ، فكذلك عند إطلاق اللفظ في التحريم. ثم النسخ بعد ذلك إذا انتهت مدة التحريم الذي كان معلوما عند
(٥٦)