وصية مطلقة دليل نسخ الوصية المعهودة، لان الاطلاق بعد التقييد نسخ كما أن التقييد بعد الاطلاق نسخ. والثاني أن النسخ في الشرع نوعان: أحدهما إثبات الحكم مبتدأ على وجه يكون دليلا على انتهاء الوقت في حكم كان قبله. والثاني نسخ بطريق التحويل للحكم من شئ إلى شئ، بمنزلة تحويل فرض التوجه عند أداء الصلاة من بيت المقدس إلى الكعبة، وانتساخ الوصية للوالدين والأقربين بآية الميراث من النوع الثاني، فإن الله تعالى فوض بيان نصيب كل فريق إلى من حضره الموت على أن يراعى الحدود في ذلك، ويبين حصة كل واحد منهم بحسب قرابته، ثم تولى بيان ذلك بنفسه في آية المواريث، وإليه أشار في قوله تعالى: * (يوصيكم الله) * وإنما تولى بيانه بنفسه لان الموصي ربما كان يقصد إلى المضارة في ذلك، وإلى ذلك أشار في قوله تعالى: * (غير مضار وصية من الله) * وربما كان لا يحسن التدبير في مقدار ما يوصى لكل واحد منهم بجهله فبين الله تعالى نصيب كل واحد منهم على وجه يتيقن بأنه هو الصواب وأن فيه الحكمة البالغة، وإلى ذلك أشار في قوله تعالى: * (لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا) * وما هذا إلا نظير من أمر غيره بإعتاق عبده ثم يعتقه بنفسه فينتهي به حكم الوكالة لما باشره الموكل بنفسه، فهنا حين بين الله تعالى نصيب كل قريب لم يبق حكم الوصية إلى الوالدين والأقربين لحصول المقصود بأقوى الطرق، وإليه أشار النبي عليه السلام بقوله: إن الله تعالى أعطى كل ذي حق حقه، ألا لا وصية لوارث وكان النسخ بهذا الطريق بمنزلة الحوالة، فإن الدين إذا تحول من ذمة إلى ذمة حتى اشتغلت الذمة الثانية به فرغ منه الذمة الأولى وإن لم يكن بين وجوب الدين في الذمتين معنى المنافاة كما يكون بطريق الكفالة. ولكنا نقول بهذا الطريق يجوز أن يثبت انتهاء حكم وجوب الوصية للوالدين والأقربين، فأما انتهاء حكم جواز الوصية لهم لا يثبت بهذا الطريق، ألا ترى أن بالحوالة وإن لم يبق الدين واجبا في الذمة الأولى فقد بقيت الذمة محلا صالحا لوجوب الدين فيها، وليس من ضرورة انتفاء وجوب الوصية لهم
(٧٠)