بالاستثناء، وهذا لان الكلمة كما لا تكون مفهمة قبل انضمام بعض حروفها إلى البعض لا تكون مفهمة قبل انضمام بعض الكلمات إلى البعض، حتى تكون دالة على المراد، فتوقف أول الكلام على آخره في الفصلين ويكون الكل في حكم كلام واحد، فإن ظهر باعتبار آخره لصدر الكلام محل آخر وهو الذمة، كما في الشرط، جعل بيانا فيه تبديل، وإن لم يظهر لصدر الكلام محل آخر بآخره جعل آخره مغيرا لصدره بطريق البيان، وذلك بالاستثناء، على أن يجعل عبارة عما وراء المستثنى، ويجعل بمنزلة الغاية على معنى أنه ينتهي به صدر الكلام ولولاه لكان مجاوزا إليه، كما أن بالغاية ينتهي أصل الكلام على معنى أنه لولا الغاية لكان الكلام متناولا له، ثم انعدام الحكم بعد الغاية لعدم الدليل المثبت لا لمانع بعد وجود المثبت، فكذلك انعدام الحكم في المستثنى لعدم دليل الموجب لا لمعارض مانع.
فأما قول أهل اللغة الاستثناء من النفي إثبات ومن الاثبات نفي، فإطلاق ذلك باعتبار نوع من المجاز، فإنهم كما قالوا هذا فقد قالوا إنه استخراج وإنه عبارة عما وراء المستثنى ولا بد من الجمع بين الكلمتين، ولا طريق للجمع سوى ما بينا وهو أنه باعتبار حقيقته في أصل الوضع عبارة عما وراء المستثنى، وهو نفي من الاثبات وإثبات من النفي باعتبار إشارته على معنى أن حكم الاثبات يتوقت به كما يتوقت بالغاية فإذا لم يبق بعده ظهر النفي لانعدام علة الاثبات فسمي نفيا مجازا.
فإن قيل: هذا فاسد فإن قول القائل لا عالم إلا زيد يفهم منه الاخبار بأن زيدا عالم، وكذلك كلمة الشهادة تكون إقرارا بالتوحيد حقيقة كيف يستقيم حمل ذلك على نوع من المجاز؟ قلنا: قول القائل لا عالم نفي لوصف العلم وقوله إلا زيد توقيت للوصف به ومقتضى التوقيت انعدام ذلك الوصف بعد الوقت، فمقتضى كلامه هنا نفي صفة العلم لغير زيد ثم ثبت به العلم لزيد بإشارة كلامه لا بنص كلامه، كما أن نفي النهار يتوقت إلى طلوع الفجر فبوجوده يثبت ما هو ضده وهو صفة النهار، ونفي السكون يتوقت بالحركة فبعد انعدام الحركة يثبت السكون، يقرره أن الآدمي لا يخلو عن أحد الوصفين إما العلم وإما نفي العلم عنه، فلما توقت النفي في صفة كلامه بزيد