متناول لمن عارضوا به، وقد كانوا أهل اللسان فأعرض عن جوابهم امتثالا بقوله تعالى: * (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) * ثم بين الله تعالى تعنتهم فيما عارضوا به بقوله: * (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون) * ومثل هذا الكلام يكون ابتداء كلام هو حسن وإن لم يكن محتاجا إليه في حق من لا يتعنت، وإنما كلامنا فيما يكون محتاجا إليه من البيان ليوقف به على ما هو المراد. والذي يوضح تعنت القوم أنهم كانوا يسمونه مرة ساحرا ومرة مجنونا وبين الوصفين تناقض بين، فالساحر من يكون حاذقا في عمله حتى يلبس على العقلاء، والمجنون من لا يكون مهتديا إلى الأعمال والأقوال على ما عليه أصل الوضع، ولكنهم لشدة الحسد كانوا يتعنتون وينسبونه إلى ما يدعو إلى تنفير الناس عنه، من غير تأمل في التحرز عن التناقض واللغو. فأما قصة بقرة بني إسرائيل فنقول: كان ذلك بيانا بالزيادة على النص وهو يعدل النسخ عندنا والنسخ إنما يكون متأخرا عن أصل الخطاب، وإلى هذا أشار ابن عباس رضي الله عنهما فقال: لو أنهم عمدوا إلى أي بقرة كانت فذبحوها لأجزأت عنهم ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم. فدل أن الامر الأول قد كان فيه تخفيف وأنه قد انتسخ ذلك بأمر فيه تشديد عليهم.
فأما قوله: * (ولذي القربى) * فقد قيل إنه مشترك يحتمل أن يكون المراد قربى النصرة، ويحتمل أن يكون المراد قربى القرابة، فلهذا سأل عثمان وجبير بن مطعم رضي الله عنهما رسول الله (ص) عن ذلك وبين لهما رسول الله (ص) أن المراد قربى النصرة. أو نقول: قد علمنا أنه ليس المراد من يناسبه إلى أقصى أب فإن ذلك يوجب دخول جميع بني آدم فيه، ولكن فيه إشكال أن المراد من يناسبه بأبيه خاصة أو بجده أو أعلى من ذلك، فبين رسول الله عليه السلام أن المراد من يناسبه إلى هاشم، ثم ألحق بهم بني المطلب لانضمامهم إلى بني هاشم في القيام بنصرته في الجاهلية والاسلام، فلم يكن هذا البيان من تخصيص العام في شئ، بل هذا بيان المراد في العام الذي يتعذر فيه القول بالعموم، وقد بينا أن مثل هذا العام في حكم العمل به كالمجمل كما في قوله: * (وما يستوي الأعمى والبصير) * فيكون البيان تفسيرا له فلهذا صح متأخرا. فأما تقييد حكم الميراث بالموافقة في الدين