فهنا أيضا يحال به على من كان فوات الامساك بالمعروف بالاصرار على الكفر من جهته، ولا يثبت إلا بقضاء القاضي. فأما الردة فهي غير موضوعة للفرقة بدليل صحتها حيث لا نكاح وبه فارق الطلاق، وإذا لم يكن موضوعا للفرقة عرفنا أن حصول الفرقة بها لكونها منافية للنكاح حكما وذلك وصف مؤثر، فإن النكاح يبتنى على الحل الذي هو كرامة، وبعد الردة لا يبقى الحل، لان الردة سبب لاسقاط ما هو كرامة، ولإزالة الولاية والمالكية الثابتة بطريق الكرامة، فجعلها منافية للنكاح حكما يكون قوي الأثر من هذا الوجه، ومع وجود المنافي لا يبقى النكاح سواء دخل بها أو لم يدخل. فأما إذا ارتدا معا فحكم بقاء النكاح بينهما معلوم بإجماع الصحابة بخلاف القياس، وقد بينا أن المعدول به عن القياس بالنص أو بالاجماع لا يشتغل فيه بالتعليل ولا بإثبات الحكم فيه بعلة، وقد بينا فساد اعتبار حالة البقاء بحالة الابتداء، فلا يجوز أن يجعل امتناع صحة النكاح بينهما ابتداء بعد الردة علة للمنع من بقاء النكاح، وهذا لان البقاء لا يستدعي دليلا مبقيا، وإنما يستدعي الفائدة في الابقاء، وبعد ردتهما نعوذ بالله يتوهم منهما الرجوع إلى الاسلام وبه تظهر فائدة البقاء. فأما الثبوت ابتداء يستدعي الحل في المحل وذلك منعدم بعد الردة، وعند ردة أحدهما لا يظهر في الابقاء فائدة مع ما هما عليه من الاختلاف. وعلى هذا علل الشافعي رحمه الله في عدد الطلاق فإنه معتبر بحال الزوج لأنه هو المالك للطلاق وعدد الملك معتبر بحال المالك كعدد النكاح، وهذا بين الأثر، لان المالكية عبارة عن القدرة والتمكن من التصرف، فإذا كان الزوج هو المتمكن من التصرف في الطلاق بالايقاع عرفنا أنه هو المالك له، وإنما يتم الملك باعتبار كمال حال المالك بالحرية كما أن ملك التصرف بالاعتاق وغيره إنما يتم بكمال حال المالك بالحرية.
وقلنا نحن: الطلاق تصرف بملك بالنكاح فيتقدر بقدر ملك النكاح وذلك يختلف باختلاف حال المرأة في الرق والحرية، لان الملك إنما يثبت في المحل