الآية، فما يكون مذموما منهيا عنه نصا فكيف يصلح حجة على الغير!
وأيد ما ذكرنا قوله تعالى: (وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا أو نصارى، تلك أمانيهم) الآية، فقد علم رسوله مطالبة النافي بإقامة الدليل وذلك تنصيص على أن لا دليل لا يكون حجة والدليل عليه الخصومات، فان انكار الخصم لا يكون حجة له على المدعى بوجه ما حتى أنه بعد ما أحضر مرة وجحد إذا طلب احضاره مرة أخرى أحضره القاضي، وان طلب ان يكفله بنفسه أو بالعين الذي فيه الدعوى أجبره القاضي على ذلك، وإذا طلب يمينه حلفه على ذلك، فلو كان لا دليل حجة للنافي على خصمه لم يبق للمدعى عليه سبيل بعد انكاره وقوله لا حجة للمدعى. فاما جعل الشرع القول قول المنكر فذلك باعتبار دليل من حيث الظاهر، وهو ان المدعى عين في يده واليد دليل الملك ظاهرا، أو دين في ذمته وذمته بريئة ظاهرا، ومع هذا قوله لا يكون حجة على خصمه وان حلف حتى لا يصير المدعى مقضيا عليه بشئ، ولكنه لا يتعرض له ما لم يأت بحجة يثبت بها الحق عليه. يحقق ما قلنا ان الأصل هو التفاوت بين الناس في العلم بالأدلة الشرعية، واليه أشار الله تعالى في قوله: (وفوق كل ذي علم عليم) وهذا شبه المحسوس لمن يرجع إلى أحوال الناس، فقد يقف بعضهم على علم لا يقف عليه البعض، ومع هذا التفاوت لا يتمكن النافي من الاحتجاج بلا دليل الا بعد وقوفه على كل علم يبتنى عليه احكام الشرع، ومن ادعى هذه الدرجة لنفسه منا فهو متعنت لا يناظر، وكيف يتمكن أحد من هذه الدعاوى مع قوله تعالى: (وما أوتيتم من العلم الا قليلا) وإذا علمنا يقينا ان المحتج بلا دليل لم يبلغ جميع أنواع العلم عرفنا ان استدلاله بما لم يبلغه على الخصم باطل، ولهذا صح هذا النوع من الاحتجاج فيما نص الله تعالى عليه، لان الله تعالى عالم بالأشياء كلها لا يعزب عنه مثقال ذرة ولا تخفى عليه خافية، فبإخباره ان لا برهان لمن يدعى الشرك حصل لنا علم اليقين بأنه لا دليل على الشرك بوجه. وكذلك قوله تعالى، (قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما) فقد صار معلوما يقينا انه لا دليل على حرمة ذلك، فكان