حجة على الغير أصلا، ألا ترى أن في زمان النبي عليه السلام كان الناسخ ينزل فيبلغ ذلك بعض الناس دون البعض ومن لم يبلغه يكون معذورا في العمل بالمنسوخ ولا يكون ذلك حجة له على غيره.
فإن قيل: قولكم هذا غير موافق لتعليل السلف فاسد، وقد قال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا خمس في العنبر لان الأثر لم يرد به. وهذا احتجاج بلا دليل.
قلنا: هذا أن لو ذكر هذا اللفظ على سبيل الاحتجاج على من يوجب فيه الخمس وليس كذلك، بل إنما ذكره على وجه بيان العذر لنفسه ثم علل فيه بعلة مؤثرة في موضع الاحتجاج على الغير على ما ذكر محمد رحمه الله، فإنه قال: لا خمس في اللؤلؤ والعنبر. قلت: لم؟ قال: لأنه بمنزلة السمك.
قلت: وما بال السمك لا يجب فيه الخمس؟ قال: لأنه بمنزلة الماء. وهو إشارة إلى مؤثر، فإن الأصل في الخمس الغنائم وإنما يوجب الخمس فيما يصاب مما كان أصله في يد العدو ووقع في يد المسلمين بإيجاف الخيل والركاب فيكون في معنى الغنيمة، والمستخرج من البحار لم يكن في يد العدو قط، لان قهر الماء مانع قهرا آخر على ذلك الموضع، ثم القياس أن لا يجب الخمس في شئ وإنما أوجب الخمس في بعض الأموال بالأثر، فبين أن ما لم يرد فيه الأثر يؤخذ فيه بأصل القياس، وهذا لا يكون احتجاجا بلا دليل. ثم نقول لهذا القائل: إنك بهذه المقالة تثبت شيئا لا محالة وهو صحة اعتقادك أن لا دليل يوجب إثبات الحكم في هذه الحادثة فعليك الدليل لاثبات ما تدعي صحته عندك، ولا دليل على خصمك لأنه ينفي صحة اعتقادك هذا، ولا دليل على النافي بزعمك، ثم قولك لا دليل شئ تقوله عن علم أو لا عن علم؟ فإن زعمت أنك تقوله عن علم فالعلم الذي يحدث للمرء لا يكون إلا بدليل، وإن زعمت أنك تقوله لا عن علم فقد نهيت عن ذلك، قال تعالى: * (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * وقال تعالى: * (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه) *