بالثمينة وإن كانت لا تتعدى، فنحن لا نجوز ذلك. والمذهب عندنا أن حكم التعليل هو تعدية حكم الأصل إلى الفروع، وكل تعليل لا يفيد ذلك فهو خال عن حكمه، وعلى قوله حكم التعليل ثبوت الحكم في المنصوص بالعلة ثم تتعدى تلك العلة إلى الفروع تارة فيثبت بها الحكم في الفروع كما في الأصل، وتارة لا تتعدى فيبقى الحكم في الأصل ثابتا وبه يكون ذلك تعليلا مستقيما بمنزلة النص الذي هو عام مع النص الذي هو خاص.
احتج وقال لان التعليل بالرأي حجة لاثبات حكم الشرع فيكون بمنزلة سائر أنواع الحجج، وسائر الحجج من الكتاب والسنة أينما وجدت يثبت الحكم بها، فكذلك التعليل بالرأي إلا أن سائر الحجج تكون ثابت بغير صنع منا، والتعليل بالرأي إنما يحصل بصنعنا، ومتى وجد ذلك كان ثبوت الحكم مضافا إليه سواء تعدى إلى الفروع أو لم يتعد، وهذا لان الشرط في الوصف الذي يتعلل الأصل به قيام دلالة التمييز بينه وبين سائر الأوصاف، وهذا المعنى يتحقق في الوصف الذي يقتصر على موضع النص وفي الوصف الذي يتعدى إلى محل آخر، وبعد ما وجد فيه شرط صحة التعليل به لا يثبت الحجر عن التعليل به إلا بمانع، فكونه غير متعد لا يصلح أن يكون مانعا إنما المانع ما يخرجه من أن يكون حجة، وانعدام وصف التعدي فيه لا يخرجه من أن يكون حجة كالنص.
والجواب عن هذا الكلام بما هو الحجة لنا، وهو أن الحجج الشرعية لا بد أن تكون موجبة علما أو عملا، والتعليل بالرأي لا يوجب العلم بالاتفاق، فعرفنا أنه موجب للعمل وأنه باعتباره يصير حجة، والموجب للعمل ما يكون متعديا إلى الفروع، لان وجوب العمل بالعلة إنما يظهر في الفرع، فأما الأصل فقد كان موجبا للعمل في المحل الذي تناوله قبل التعليل، فإذا خلا عن التعليل لم يكن موجبا شيئا فلا يكون حجة شرعا.