فإن قيل: وجوب العمل في الأصل بعد أن التعليل يصير مضافا إلى العلة كما أن في الفرع بعد التعدية يصير وجوب العمل مضافا إلى العلة.
قلنا: هذا فاسد، لان قبل التعليل كان وجوب العمل بالنص، والتعليل لا يجوز على وجه يكون مغيرا حكم الأصل، فكيف يجوز على وجه يكون مبطلا حكم الأصل وهو إضافة وجوب العمل إليه، ألا ترى أن وجوب العمل به لما كان مضافا إلى النص قبل التعليل بقي مضافا إليه بعد التعليل، وبه يتبين أن النص أقوى والضعيف لا يظهر في مقابلة القوي، فيكون الحكم وهو وجوب العمل في الأصل مضافا إلى أقوى الحجتين وهو النص بعد التعليل كما كان قبله. واعتباره الأصل بالفرع في أن الحكم فيه يكون مضافا إلى العلة في نهاية الفساد، لان الفرع يعتبر الأصل، فأما الأصل لا يعتبر بالفرع في معرفة حكمه بحال.
فإن قيل مع هذا: التعليل صحيح ليثبت به تخصيص الأصل بذلك الحكم.
قلنا: وهذا ثابت قبل التعليل بالنص، ثم تعليل الأصل بوصف لا يتعدى لا يمنع تعليله بوصف آخر يتعدى إذا وجد فيه ما هو شرط العلة، لأنه كما يجوز أن يجتمع في الأصل وصفان كل واحد منهما يتعدى إلى فروع وأحدهما أكثر تعدية من الآخر يجوز أن يجتمع وصفان يتعدى أحدهما ولا يتعدى الآخر، فبهذا تبين أن هذا التعليل لا يوجب تخصيص الأصل أيضا. وكيف يقال هذا وبالاجماع بيننا وبينه انعدام العلة لا يوجب انعدام الحكم على ما نبينه في بابه إن شاء الله تعالى، وإنما يكون التعليل بما لا يتعدى موجبا تخصيص الأصل إذا كان الحكم ينعدم بانعدام العلة كما يوجد بوجودها.
ومن هذه الجملة: تعليل الأصل لتعدية الحكم إلى موضع منصوص، فإن ذلك لا يجوز عندنا، نص عليه محمد السير الكبير، وقال: النص الوارد في هدي المتعة لا يجوز تعليله لتعدية حكم الصوم فيه إلى هدي الاحصار، لان ذلك منصوص عليه وإنما يقاس بالرأي على المنصوص ولا يقاس المنصوص