فمنها: أن الكلام متى كان من معنى اللغة فإنه لا يجوز المصير فيه إلى الاثبات بالقياس الشرعي. وبيان هذا في اليمين الغموس، فإن علماءنا قالوا إنها لا تنعقد موجبة للكفارة، لأنها ليست بيمين معقودة ووجوب الكفارة بالنص في اليمين المعقودة، وكان الاشتغال في الحكم بالتعليل بقوله يمين بالله مقصودة باطلا من الكلام، لان الكلام في إثبات الاسم حقيقة، فعندنا هذه ليست بيمين حقيقة، وإنما سميت يمينا مجازا، لان ارتكاب هذه الكبيرة كان باستعمال صورة اليمين كبيع الحر يسمى بيعا مجازا وإن لم يكن بيعا على الحقيقة، وإذا كان الكلام في إثبات اسم اليمين حقيقة وذلك لا يمكن معرفته بالقياس الشرعي كان الاشتغال به فضلا من الكلام، ولكن طريق معرفته التأمل في أصول أهل اللغة، وهم إنما وضعوا اليمين لتحقيق معنى الصدق من الخبر، فعرفنا أن ما ليس فيه توهم الصدق بوجه لا يكون محلا لليمين لخلوه عن فائدة، وبدون المحل لا يتصور انعقاد اليمين، ولذلك قال أبو حنيفة في اللواطة إنها لا توجب الحد، لأنها ليست بزنا واشتغال الخصوم بتعليل نص الزنا لتعدية الحكم أو إثبات المساواة بينه وبين اللواطة يكون فاسدا، لان طريق معرفة الاسم النظر في موضوعات أهل اللغة لا الأقيسة الشرعية. وكذلك سائر الأشربة سوى الخمر لا يجب الحد بشرب القليل ما لم يسكر، واشتغال الخصم بتعليل نص الخمر لتعدية الحكم أو لاثبات المساواة فاسد، لان الكلام في إثبات هذا الاسم كسائر الأشربة.
فإن قيل: اعتبار المعنى لاثبات المساواة في الاسم لغة لا شرعا، فالزنا عند أهل اللغة اسم لفعل فيه اقتضاء الشهوة على قصد سفح الماء دون النسل، ولهذا سموه سفاحا وسموا النكاح إحصانا، واللواطة مثل الزنا في هذا المعنى من كل وجه. وكذلك الخمر اسم لعين تحصل مخامرة العقل