القرآن، بدليل أول السورة قوله تعالى: * (والنجم إذا هوى) *: أي والقرآن إذا أنزل. وقيل المراد بالهوى: هوى النفس الامارة بالسوء، وأحد لا يجوز على رسول الله (ص) اتباع هوى النفس أو القول به، ولكن طريق الاستنباط والرأي غير هوى النفس. وهذا أيضا تأويل قوله تعالى: * (قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي) * ثم في قوله: * (إن أتبع إلا ما يوحى إلي) * ما يوضح جميع ما قلنا، لان اتباع الوحي إنما يتم في العمل بما فيه الوحي بعينه، واستنباط المعنى فيه لاثبات الحكم في نظيره وذلك بالرأي يكون. ثم قد بينا أنه ما كان يقر إلا على الصواب فإذا أقر على ذلك كان ذلك وحيا في المعنى وهو يشبه الوحي في الابتداء على ما بينا، إلا أنا شرطنا في ذلك أن ينقطع طمعه عن الوحي، وهو نظير ما يشترط في حق الأمة للعمل بالرأي العرض على الكتاب والسنة، فإذا لم يوجد في ذلك فحينئذ يصار إلى اجتهاد الرأي. ونظيره من الاحكام من كان في السفر ولا ماء معه وهو يرجو وجود الماء فعليه أن يطلب الماء ولا يعجل بالتيمم، وإن كان لا يرجو وجود الماء فحينئذ يتيمم ولا يشتغل بالطلب، فحال غير رسول الله ممن يبتلى بحادثة كحال من لا يرجو وجود الماء، لأنه لا طمع له في الوحي فلا يؤخر العمل بالرأي والاجتهاد، ورسول الله (ص) كان يأتيه الوحي في كل ساعة عادة فكان حاله فيما يبتلى به من الحوادث كحال من يرجو وجود الماء، فلهذا كان ينتظر ولا يعجل بالعمل بالرأي، وكان هذا الانتظار في حقه بمنزلة التأمل في النص المؤول أو الخفي في حق غيره، ومدة الانتظار في ذلك أن ينقطع طمعه عن نزول الوحي فيه، بأن كان يخاف الفوت فحينئذ يعمل فيه بالرأي ويبينه للناس، فإذا أقر على ذلك كانت حجة قاطعة بمنزلة الثابت بالوحي.
(٩٦)