القول لزمك حكمه، ولك أن لا تختاره، وتصير إلى قول النبي الاخر، فحينئذ يلزمك ما يختاره، ويجوز ورود العبارة بمثله على لسان نبي واحد أيضا.
بأن يقول: أنت مخير بأن تلزم نفسك أحد الحكمين من حظر أو إباحة.
ألا ترى: أنه قد يجوز ورود النص فيمن قال لامرأته: أنت على حرام، بأن يقال (له): أنت مخير بين أن تجعله طلاقا، أولا تجعله كذلك.
فإن جعلته طلاقا كانت محرمة، وإن لم تجعله طلاقا لم تحرم عليك.
كما أن الرجل مخير قبل أن يقول شيئا بين أن يحرم امرأته بالطلاق، وبين أن لا يحرمها، فيكون على حالها، وهو مخير بين أن يحرم أمته بالعتق، وبين تركها على الإباحة والرق.
وإذا كان جائز ورود النص بمثله على وجه التخيير، جاز أن يفرضه من طريق الاجتهاد، ويكون ورود الإباحة والحظر جميعا على هذه الشريطة حكما لله تعالى، كما خير النبي صلى الله عليه وسلم في أمر نسائه بقوله تعالى: " ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء).
وأما قوله: إن ذلك يوجب مخالفة أحد النبيين إذا صدر الامر من كل واحد منهما على الوجه الذي ذكرنا.
فإنه إن كان مراد السائل بذكر المخالفة مخالفة أمره فلا، وإن أراد مخالفة الفعل فجائز، وإنما لم يكن مخالفا، لان النبي صلى الله عليه وسلم قد عقد أمره بشريطة اختيارك له، دون اختيار (أمر) النبي صلى الله عليه وسلم الاخر.
فإذا اختار أمر النبي الآخر، لم يكن مخالفا لأمر الله تعالى.