وأما مخالفة الفعل: فجائز إذا صادف موافقة الامر.
ألا ترى أن المسافر إذا صلى ركعتين، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقيم أربعا، كان مخالفا للنبي صلى الله عليه وسلم في فعله، وكان ذلك جائزا له، لأنه لم يخالفه في أمره.
وقد سألوا في نحو هذا، بأن قالوا: ألا يخلو كل واحد منهما بأن يكون ناهيا للمأمور عن قبول قول الاخر أولا؟
فإن لم يكن ناهيا عن ذلك فهو له مبيح، أو أن يكون ناهيا عن ذلك، فيكون اتباع كل واحد منهما معصية للاخر.
فنقول له: إن ههنا قسما ثالثا، قد ذهب عليك أمره، وهو أن كل واحد منهما إياه معقول بشريطة اختيار المأمور إياه، فإن اختاره كان منهيا عن حكم آخر غيره، وإن اختار ما قاله النبي الآخر كان الذي عليه من الحكم ما اختاره، وكان منهيا عن إمضاء حكم آخر غيره على نفسه.
وإذا كان مصدر الامرين من النبيين على هذه الجهة، سقط اعتراض السائل لما ذكر، وكانت المسألة مستمرة على أصل القوم.
فإن قال قائل: إذا كان دليل الإباحة يوجب إباحتها، ودليل الحظر يوجب حظرها، صار كل واحد من الدليلين بمنزلة نص، لو ورد على هذا النص من غير تخيير، لان الدلالة في واحد منهما لم يقتض التخيير.
وإيجاب التخيير ضد موجب الدليل جميعا.
وغير جائز ورود النص على هذا الوجه، وهما ثابتا الحكم، وإنما يجوز ورود النص بذلك على جهة نسخ أحدهما بالآخر.
فأما ورودهما معا على هذه الوجه فمحال.
فكذلك غير جائز ورود الدليل، لأنهما إذا وردا كذلك لا يوجبا تخييرا.
قيل له: قد بينا فيما سلف: أن دلائل أحكام الحوادث ليست موجبة لمدلولاتها، وأنه