نحوه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ملكت بضعك فاختاري " وقوله لفاطمة بنت أبي حبيش:
(إنه دم عرق، وليست الحيضة فتوضئ).
فإن قيل: قوله: إنها دم عرق، ولم يخرج مخرج الاعتلال، لأنها سألته عن دم الحيض، فأعلمها: أن الذي بها دم الاستحاضة، وهو دم عرق.
قيل له: لو أراد ذلك لاكتفى بقوله: إنها ليست الحيضة، فلما لم يقتصر على ذلك، وقال: إنها دم عرق، علمنا أنه قد أفادها بذلك معنيين:
أحدهما: أنه ليس بالحيضة.
والثاني: تعليله دم الاستحاضة بأنها دم عرق، ليعتبر في نظائره، ولولا أنه أراد ذلك ما كان لقوله: إنها دم عرق معنى، ولا فائدة مع قوله: إنها ليست الحيضة، فلما ذكر الامرين، علمنا أنه أراد بقوله إنها دم عرق، التنبيه على العلة.
وأيضا: فإن ما خرج مخرج الاعتلال فظاهره أنه علة يجب القياس عليها، ورد نظائرها إليها، حتى يقوم الدلالة على غير ذلك، وقوله: إنها دم عرق، خارج مخرج الاعتلال.
ونحوه قوله صلى الله عليه وسلم: في الهرة: " إنها من الطوافين عليكم والطوافات " فعلل الهرة لمعنى يجب اعتباره في أشباههما.
قال أبو بكر: الناس في هذا الضرب من التعليل على قولين:
منهم من يجعله نصا على (كل) ما فيه العلة، ويجريه مجرى لفظ العموم.
والنظام ممن يقول بذلك، وهو من نفاة القياس.
وقال: إن الله تعالى لو قال: (حرمت عليكم الماعز، لأنه ذو أربع، عقلنا من اللفظ تحريم كل ذي أربع).
وقال آخرون: ليس ذلك في معنى العموم ولا النص في جميع ما فيه العلة.
فمن قال بالقياس من هذه الطائفة أوجب اعتبار المعنى فيما يوجد فيه من طريق القياس.