العلل موجود في كثير من العلل الموجبة للأحكام المتضادة، وفي معان قد اتفق الجميع أنها ليست بعلة للحكم، مع وجود هذا الضرب من الاستدلال.
ألا ترى أن قائلا لو قال: إن وجود الشدة في الخمر علة في تكفير مستحلها، كان قائلا قولا فاسدا، قد اتفق الجميع على فساده. لأنها توجب تكفير مستحل الأنبذة المسكرة لوجود الشدة فيها. وقد يمكن من نصب هذه العلة لتكفير مستحل الخمر: أن يستدل عليها بوجود الحكم بوجودها، وارتفاعه بارتفاعها، وذلك لان العصير لما لم يكن فيه شدة، لم يكفر مستحلة، ثم لما حدثت فيه الشدة كان مستحله كافرا، ثم إذا صارت خلا وزالت الشدة زال الحكم بتكفير مستحله، فكان حكم تكفير المستحل متعلقا بوجود الشدة، موجودا بوجودها، (و) معدوما بعدمها، مع اتفاق الجميع على أن هذا المعنى ليس بعلة لتكفير المستحل.
ومن نظائر ذلك: إذا اختلفنا في البكر البالغة يزوجها أبوها بغير إذنها. فأجازه مخالفونا قياسا على البكر الصغيرة، وجعلوا العلة الموجبة له ذلك كونها بكرا، ومنعنا نحن ذلك إلا برضاها، ورددناه إلى الثيب الكبيرة بعلة أنها (بالغة عاقلة).
واستدللنا على صحة علتنا: بأنا وجدنا البلوغ معنى يستحق به الولاية، بدلالة أن البكر والثيب لا يختلفان في استحقاق الولاية على أنفسهما في الشراء والبيع، ولم نجد للبكارة تأثيرا في استحقاق الولاية عليها في موضع متفق عليه، فكانت علتنا أولى بالصحة، لما لها من التأثير في الأصول وتعلق الاحكام بها، وكان رد البكر البالغة إلى الثيب البالغة، أولى من ردها إلى البكر الصغيرة.