كيف يشاء بداع من الدواعي العقلائية ما لم يبلغ حد الاسراف والتبذير، ولا بنفسه بأن يتحمل ما يضر ببدنه فيما إذا كان له غرض عقلائي، بل جرت عليه سيرة العقلاء، فإنهم يسافرون للتجارة مع تضررهم من الحرارة والبرودة، بمقدار لو كان الحكم الشرعي موجبا لهذا المقدار من الضرر لكان الحكم المذكور مرفوعا بقاعدة لا ضرر. 549 وكذا النقل لم يدل على حرمة الاضرار بالنفس، فان أقصى ما يمكن أن يستدل به لحرمة الاضرار بالنفس روايات نتكلم فيها:
(منها) - الروايات الدالة على نفى الضرر والضرار. وقد عرفت الحال فيها، فان الفقرة الأولى منها لا تدل على حرمة الاضرار بالغير، فضلا عن الاضرار بالنفس، بل هي ناظرة إلى نفى الاحكام الضررية في عالم التشريع.
والفقرة الثانية منها تدل على حرمة الاضرار بالغير بالأولوية على ما عرفت وجهها ولا يدل على حرمة الاضرار بالنفس بوجه كما تقدم.
و (منها) - ما رواه الكليني (ره) في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل من قوله (ع): (ان الله تعالى لم يحرم ذلك على عباده وأحل لهم ما سواء رغبة منه فيما حرم عليهم ولا زهدا فيما أحل لهم، ولكن خلق الخلق فعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم، فأحله لهم واباحه تفضلا عليهم به لمصلحتهم، وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه وحرمه عليهم - إلى أن قال (ع) - اما الميتة فإنه لابد منها أحد إلا ضعف بدنه ونحف جسمه وذهبت قوته...) فربما يستدل بها لحرمة الاضرار بالنفس، لكون الظاهر منها أن علة حرمة المحرمات هي اضرارها، فالحرمة تدور مداره، ولكن التأمل فيها يشهد بعدم دلالتها على حرمة الاضرار بالنفس، فان المستفاد منها ان الحكمة في تحريم جملة من الأشياء كونها مضرة بنوعها، لا ان الضرر موضوع للتحريم. والذي