اخبار التوقف والاحتياط ظاهرة - بنفسها أو بضميمة الروايات الدالة على جواز الاقتحام في الشبهات - في الارشاد إلى حكم العقل بوجوب تحصيل الامن من العقاب، فتكون ناظرة إلى الشبهة قبل الفحص والمقرونة بالعلم الاجمالي. وسنتكلم في كلا الوجهين عند التعرض لاستدلال الأخباريين والجواب عنه.
واما البحث عن الكبري والاستدلال عليها بالآيات والروايات وبحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، فلا ملزم له، لما ذكرناه من أنها مسلمة عند الأخباريين والأصوليين، ولم يقع فيها خلاف ليحتاج إلى الاثبات والاستدلال، إلا أنا نتعرض للبحث عن الكبرى والاستدلال عليها بالآيات والروايات وحكم العقل، تبعا لشيخنا الأنصاري (ره) وحرصا على ما فيه من الفائدة، والتعرض لفقه الأحاديث الشريفة، إذا عرفت هذه الأمور فاعلم أنه قد استدل على البراءة مع الشك في التكليف بأمور:
(منها) - قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)، وتقريب الاستدلال به ان بعث الرسول كناية عن بيان الاحكام للأنام واتمام الحجة عليهم، كما هو ظاهر بحسب الارتكاز والفهم العرفي، فتدل الآية الشريفة على نفي العقاب بمخالفة التكليف غير الواصل إلى المكلف.
وأورد على الاستدلال بهذه الآية الكريمة بوجهين: (الأول) - ان المراد من الآية هو الاخبار عن عدم وقوع العذاب على الأمم السابقة إلا بعد البيان، بقرينة التعبير بلفظ الماضي في قوله تعالى (وما كنا معذبين) فيكون المراد هو الاخبار عن عدم وقوع العذاب الدنيوي فيما مضى من الأمم السابقة إلا بعد البيان، فلا دلالة لها على نفي العذاب الأخروي عند عدم تمامية البيان. (الثاني) - ان النفي في الآية فعلية العقاب لا استحقاقه، ونفي الفعلية لا يدل على نفى