(الثانية) - مرتبة الفعلية، والحكم الشرعي في هذه المرتبة متقوم بتحقق الموضوع خارجا. لان فعلية الحكم انما هي بفعلية موضوعه، ومع انتفاء الموضوع خارجا لا يكون الحكم فعليا، وحيث إن الحكم الشرعي في كل واحد من المرتبتين مسبوق بالعدم، فقد يقرب الاستدلال بالاستصحاب، باعتبار المرتبة الأولى وقد يقرب باعتبار المرتبة الثانية.
أما تقريب الاستدلال باعتبار المرتبة الأولى، فهو ان الأحكام الشرعية لما كانت في جعلها تدريجية، فالحكم المشكوك فيه لم يكن مجعولا في زمان قطعا فتستصحب ذلك ما لم يحصل اليقين بجعله. وأورد على هذا التقريب بايرادين:
(أحدهما) - أن عدم الجعل المتيقن عدم محمولي، والعدم المشكوك فيه هو العدم النعتي المنتسب إلى الشارع، ولا يمكن اثبات العدم النعتي باستصحاب العدم المحمولي الا على القول بالأصل المثبت. و (بعبارة أخرى) العدم المتيقن هو العدم قبل الشرع والشريعة، وهو غير منتسب إلى الشارع. والعدم المشكوك فيه هو العدم المنسوب إلى الشارع بعد ورود الشرع من قبله، فالمتيقن غير محتمل البقاء، و ما هو مشكوك الحدوث لم يكن متيقنا سابقا.
وفيه ان المستصحب انما هو العدم المنتسب إلى الشارع بعد ورود الشرع لما عرفت من أن جعل الاحكام كان تدريجيا، فقد مضى من الشريعة زمان لم يكن الحكم المشكوك فيه مجعولا يقينا، فيستصحب ذلك، مع أن الانتساب يثبت بنفس الاستصحاب.
(ثانيهما) - ان المحرك للعبد - أعني الباعث أو الزاجر له - إنما هو التكليف الفعلي لا الانشائي، فالحكم الانشائي مما لا يترتب عليه اثر. ومن الواضح انه لا يمكن إثبات عدم التكليف الفعلي باستصحاب عدم الجعل، إلا على القول بالأصل المثبت.