الجهة الثانية، فإنه شامل لكلا القسمين، فتكون النسبة - بين الجهتين من حيث المورد - هي العموم المطلق.
أما الكلام في الجهة الأولى، فهو: أنه قد يقال بحرمة الفعل المتجرى به، بدعوى شمول اطلاقات الأدلة الأولية لموارد التجري. ويستدل له بما هو مركب من مقدمات: 1 - أن متعلق التكليف لابد وأن يكون مقدورا للمكلف، لعدم صحة التكليف بغير المقدور كما هو واضح.
2 - أن السبب لحركة العضلات نحو العمل إنما هو القطع بالنفع، كما أن الزاجر عن عمل انما هو القطع بكونه ضررا فان المحرك التكويني هو نفس القطع والانكشاف. وأما جهة كونه مطابقا للواقع أو مخالفا له فهي أجنبية عن المحركية أو الزاجرية. ولذا لو قطع العطشان بوجود ماء يتحرك نحوه وان كان في الواقع سرابا، ويموت عطشا ولا يتحرك نحو ماء موجود، لعدم عامه به.
وهذا أمر وجداني بديهي لا يحتاج إلى مؤنة برهان.
3 - أن التكليف انما يتعلق باختيار الفعل وارادته، لان الإرادة التشريعية انما تتعلق بالفعل الصادر عن المكلف بالاختيار، لا بالفعل الصادر عنه ولو اضطرارا، فلا محالة يكون متعلق التكليف هو إرادة الفعل واختياره ليكون الفعل صادرا عنه بالإرادة والاختيار. والمفروض أن إرادة المكلف تابعة لقطعه بالنفع أو الضرر، فلا محالة يكون متعلق البعث والزجر هو ما تعلق به القطع، سواء كان مطابقا للواقع أو مخالفا له، فتكون نسبة العصيان - على تقدير التمرد إلى من كان قطعه مطابقا للواقع، ومن كان قطعه مخالفا له - على حد سواء، إذ مطابقة القطع للواقع ومخالفته له خارجان عن اختيار المكلف،