ناظر إلى نفي الضرر في عالم التشريع كما مر مرارا، ولا دلالة فيه على وجوب تدارك الضرر الخارجي المتحقق من غير جهة الحكم الشرعي، والضرر في المثالين ليس ناشئا من قبل الشارع في عالم التشريع، حتى ينفى بحديث لا ضرر.
وعليه فلا يمكن التمسك بحديث لا ضرر لاثبات الضمان في المسألة الأولى، ولا لا ثبات جواز الطلاق في المسألة الثانية.
(أقول): أما إيراده الأول فغير وارد، لأن عدم جعل الحكم في موضع قابل للجعل، جعل لعدم ذلك الحكم، فيكون العدم مجعولا، ولا سيما بملاحظة ما ورد من أن الله سبحانه لم يترك شيئا بلا حكم، فقد جعل الحكم من قبل الشارع لجميع الأشياء، غاية الامر أن بعضها وجودي وبعضها عدمي كما أن بعضها تكليفي وبعضها وضعي. وعليه فلا مانع من شمول دليل لا ضرر للأحكام العدمية أيضا إن كانت ضررية هذا من حيث الكبرى، إلا أن الصغرى لهذه الكبرى غير متحققة، فانا لم نجد موردا كان فيه عدم الحكم ضرريا حتى نحكم برفعه وبثبوت الحكم بقاعدة لا ضرر.
وأما ايراده الثاني فوارد. وتوضيحه أن الحكم بالضمان في المسألة الأولى إنما هو لتدارك الضرر الواقع على المحبوس من ناحية الحابس. وقد عرفت أن حديث لا ضرر لا يشمل مثل ذلك، ولا يدل على وجوب تدارك الضرر الواقع في الخارج بأي سبب، بل يدل على نفي الضرر من قبل الشارع في عالم التشريع، وكذا الحال في المسألة الثانية، فان فيها أمورا ثلاثة: امتناع الزوج عن النفقة ونفس الزوجية، وكون الطلاق بيد الزوج، وأما الأول فهو الموجب لوقوع الضرر على الزوجة. ولم يرخص فيه الشارع. وأما الثاني فليس ضرريا، وقد أقدمت الزوجة بنفسها عليه في مقابل المهر. وكذا الثالث فليس من قبل الشارع ضرر في عالم التشريع حتى يرفع بحديث لا ضرر، غاية