إذا عرفت ذلك يظهر لك ان جريان الاستصحاب - في محل الكلام، مع كون التعذر حادثا مقارنا لأول الوقت - مما لا وجه له، لأن الحكم غير متيقن في زمان ليكون الشك في بقائه، فيجري الاستصحاب، أما على القسم الأول فواضح، لعدم كون الشك في المقام ناشئا من احتمال النسخ على الفرض. وأما على القسم الثاني فلانه لا يقين بحدوث الحكم ولو علي سبيل الفرض والتقدير، إذ التكليف بغير المتعذر من الاجزاء والشرائط مشكوك الحدوث من أول الامر فإذا فرض الفقيه مكلفا تعذر عليه الاتيان ببعض اجزاء المركب مقارنا لأول الوقت، فهو شاك في حدوث التكليف عليه ابتداءا، بلا سبق يقين منه ولو على سبيل الفرض والتقدير، فلا يقاس المقام بالشك في حرمة الوطء بعد انقطاع الدم قبل الاغتسال، إذ الحرمة هناك متيقنة، فيشك في ارتفاعها بانقطاع الدم فيجري الاستصحاب ويحكم ببقائها.
هذا كله من حيث جريان الاستصحاب وعدمه. وأما الروايات التي استدل بها على قاعدة الميسور، فهي ثلاث روايات:
(الرواية الأولى) - ما رواه أبو هريرة المروية بطرق العامة، قال (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل اكل عام يا رسول الله؟ فسكت صلى الله عليه وآله حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله (ص) لو قلت نعم لوجب، ولما استطعتم، ثم قال (ص) ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشئ فائتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شئ فدعوه).
وزاد في الكفاية قوله صلى الله عليه وآله لكفر تم بعد قوله لما استطعتم. ولم أجده حسب ما راجعت الكتب الحاوية لهذه الرواية. وعلى كل تقدير يقع الكلام (تارة) في سند هذه الرواية (وأخرى) في دلالتها، فيقع الكلام في مقامين: