الفعل المتجرى به شرعا، كما هو محل الكلام ومورد الاستدلال، غاية ما فيها ان القصد مما يحاسب به ويعاقب عليه، وهذا التعبير لا يدل على أزيد مما كان العقل مستقلا به من استحقاق المتجري للعقاب، فلا يدل على حرمة الفعل المتجرى به شرعا.
(التنبيه الثالث) - ذكر صاحب الفصول (ره) ان قبح التجري لا يكون ذاتيا، بل يختلف بالوجوه والاعتبارات، فإذا صادف الفعل المتجرى به المعصية الواقعية كان فيه ملا كان للقبح: ملاك التجري وملاك المعصية الواقعية، فلا محالة يتداخل العقابان، وقبح التجري - في هذا الفرض - يكون أشد مما إذا كان الفعل المتجرى به في الواقع مكروها، كما أن القبح - في هذا الفرض أيضا - أشد مما إذا كان الفعل المتجرى به مباحا، والقبح فيه أشد مما إذا كان الفعل المتجرى به مستحبا، وأما إذا كان الفعل المتجري به واجبا في الواقع، فيقع التزاحم بين ملاك الوجوب وملاك قبح التجري، فربما يتساويان، وربما يكون ملاك الوجوب أقوى فيتقدم، وربما يكون ملاك قبح التجري أقوى فيكون قبيحا انتهى.
وما ذكره مشتمل على دعاو ثلاث:
(الأولى) - ان القبح لا يكون ذاتيا للتجري بل قابل لان يختلف بالوجوه والاعتبارات - (الثانية) - ان الجهات الواقعية - بواقعيتها ومع عدم الالتفات إليها - توجب اختلاف التجري من حيث مراتب القبح، بل توجب زواله في بعض الموارد. (الثالثة) - تداخل العقابين عند مصادفة المعصية الواقعية. وهذه الدعاوي فاسدة بتمامها:
(أما الدعوى الأولى) ففيها ان التجري على المولى وهتكه بنفسه مصداق للظلم، والقبح لا ينفك عن الظلم، فلا ينفك عن التجري، بل يترتب عليه نحو