(القسم الثالث) - ما إذا دار الأمر بين التخيير والتعيين في مقام الامتثال لأجل التزاحم، بعد العلم بالتعيين في مقام الجعل، كما إذا كان هنا غريقان يحتمل كون أحدهما بعينه نبيا مثلا، ولم نتمكن إلا من إنقاذ أحدهما، فيدور الأمر بين وجوب انقاذه تعيينا أو تخييرا بينه وبين الآخر، هذه هي اقسام دوران الامر بين التخيير والتعيين. وقبل الشروع في بيان حكم الأقسام من البراءة أو الاحتياط لا بد من أمرين:
(الأول) - ان محل الكلام انما هو فيما إذا لم يكن في البين أصل لفظي من الاطلاق ونحوه، ولا استصحاب موضوعي يرتفع به الشك، كما إذا علمنا بالتعيين ثم شككنا في انقلابه إلى التخيير أو بالعكس، فإنه مع وجود أحد الامرين يرتفع الشك فلا تصل النوبة إلى البراءة أو الاحتياط.
(الثاني) - ان محل الكلام إنما هو فيما إذا كان الوجوب في الجملة متيقنا ودار امره بين التخيير والتعيين. كما في الأمثلة التي ذكرناها. وأما إذا لم يكن الوجوب متيقنا في الجملة، كما إذا دار الامر بين كون شئ واجبا تعيينيا أو واجبا تخييريا أو مباحا، فلا ينبغي الشك في جواز الرجوع إلى البراءة عن الوجوب.
إذا عرفت هذين الامرين فنقول: اما القسم الأول فله صور ثلاث:
(الصورة الأولى) - ان يعلم وجوب كل من الفعلين في الجملة، ويدور الامر بين ان يكون الوجوب فيهما تعيينيا ليجب الاتيان بهما معا في صورة التمكن، أو تخييريا ليجب الاتيان بأحدهما. (الصورة الثانية) - ان يعلم وجوب فعل في الجملة، وعلم أيضا سقوطه عند الاتيان بفعل آخر، ودار الامر بين ان يكون الفعل الثاني عدلا للواجب، ليكون الوجوب