واما الجواب عن الاشكال في الموارد الثاني، فذكر المحقق النائيني (ره) أن مفاد حديث لا ضرر هو نفي الحكم الضرري في عالم التشريع. والضرر الواقع في موارد الجهل لم ينشأ من الحكم الشرعي ليرفع بدليل لا ضرر، وإنما نشأ من جهل المكلف به خارجا. ومن ثم لو لم يكن الحكم ثابتا في الواقع لوقع في الضرر أيضا.
وفيه ان الاعتبار في دليل نفي الضرر إنما هو بكون الحكم بنفسه أو بمتعلقه ضرريا ولا ينظر إلى الضرر المتحقق في الخارج، وأنه نشأ من أي سبب. ومن الظاهر أن الطهارة المائية مع كونها ضررية لو كانت واجبة في الشريعة يصدق أن الحكم الضرري مجعول فيها من قبل الشارع. وعليه فدليل نفي الضرر ينفي وجوبها.
والصحيح في الجواب ان يقال إن دليل لا ضرر ورد في مقام الامتنان على الأمة الاسلامية، فكل مورد يكون نفى الحكم فيه منافيا للامتنان لا يكون مشمولا لدليل لا ضرر. ومن المعلوم أن الحكم ببطلان الطهارة المائية الضررية الصادرة حال الجهل بكونها ضررية. والامر بالتيمم وبإعادة العبادات الواقعة معها مخالف للامتنان، فلا يشمله دليل لا ضرر، بل الحكم بصحة الطهارة المائية المذكورة وبصحة العبادات الواقعة معها هو المطابق للامتنان.
ثم إن مجرد كون الوضوء الضرري مثلا الصادر حال الجهل غير مشمول لدليل لا ضرر لا يكفي في الحكم بصحته، بل اثبات صحته يحتاج إلى دليل من عموم أو اطلاق يشمله، لان عدم كونه مشمولا لدليل لا ضرر عبارة عن عدم المانع من صحته. وعدم المانع لا يكفي في الحكم بالصحة، بل لا بد من احراز المقتضي وشمول الأدلة. وهذا يتوقف على أحد أمرين على سبيل منع الخلو (الأول) - ان لا يكون الاضرار بالنفس حراما ما لم يبلغ حد التهلكة،