على القدر المتيقن، مع أنه لو كان المانع هو العلم الاجمالي لم يكن فرق بين التمكن من الفحص وعدمه كما هو ظاهر. فالمتحصل من جميع ما ذكرناه في المقام أن المانع من الرجوع إلى الأصل قبل الفحص لا بد من أن يكون شيئا آخر غير العلم الاجمالي، كما ذكره صاحب الكفاية (ره).
(الثالث) - دعوى انصراف الأدلة إلى ما بعد الفحص بحكم العقل بوجوب الفحص، وعدم جواز الرجوع إلى البراءة قبله فإنه كما يحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان كذلك يحكم بوجوب الفحص عن أحكام المولى من باب وجوب دفع الضرر المحتمل. وبالجملة فكما أنه على المولى إبلاغ أحكامه إلى عبيده، وبيان مراداته لهم جريا على وظيفة المولوية، فكذلك يجب على العبد الفحص عن أحكام المولى جريا على وظيفة العبودية، إذ لا يجب على المولى إلا بيان أحكامه على النحو المتعارف، من أن يجعلها في معرض الوصول. وأما فعلية الوصول والبحث عنها فهي من وظائف العبد. فهذا الحكم العقلي بمنزلة القرينة المتصلة المانعة عن انعقاد الظهور في إطلاقات أدلة البراءة، فهي مختصة من أول الامر بما بعد الفحص في الشبهات الحكمية. وهذا الوجه مما لا بأس به.
(الرابع) - الآيات والروايات الدالة على وجوب التعلم، مقدمة للعمل وهي كثيرة: (منها) - قوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون). ومن الروايات، ما ورد في تفسير قوله تعالى: (فلله الحجة البالغة) من أنه يقال للعبد يوم القيامة هل علمت؟ فان قال نعم، قبل له فهلا عملت؟ وإن قال لا، قيل له فهلا تعلمت حتى تعمل؟ ومن الظاهر أنه لو جاز الرجوع إلى البراءة أو غيرها من الأصول قبل الفحص والتعلم، لم يجب سؤال أهل العلم كما في الآية الشريفة. ولم يتوجه العتاب إلى من لم يتعلم، كما في الرواية، وهذا الوجه أيضا لا بأس به.